الاستعداد للبصخة المقدسة للقديس كيرلس الكبير

cyril_of_alexandria1

1 ـ ها هوذا أسبوع البصخة المُبارَك يقترب الآن مشحوناً بالنعم والبركات. فبعدما طرحنا عنا وزر خطايانا بعمل التوبة، نتقدَّم لنحمل نير الخلاص الذي للَّه الكلمة. الذي نزل إلينا من السماء. ونسمع تعزيات عمانوئيل إلهنا الرقيقة تحمل لنا ملء اليقين بأننا سوف لا نعود نُكبَّل بالخطايا بعد. ولا ترهقنا الآثام بعد الآن.

        إننا نجتمع في الكنائس في هذا الأسبوع المُبارَك، قلوبنا يملأها الفرح … فنرفع كلنا أصوات الحمد والتسبيح للمسيح مُخلِّص البشر في وقع وانسجام مقدس لأنه غسلنا من وصمة العار القديمة: تلك الوصمة التي توارثناها عن أبينا آدم هاتفين عالياً بمسرة الانتصار: ” المسيح إفتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا ” ( غلاطية 3 : 13 ).

        كنا مطرودين من فرح الفردوس بسبب غواية الشيطان الشريرة، وجلبنا على أنفسنا غضب اللَّه وحكمه العادل، الذي ملأ قلوبنا بالأسى: ” أنت تراب وإلى التراب تعود ” ( تكوين 3 : 19 ).

        كنا مذلولين من إرهاب الطغيان الشيطاني، فى حالة من القهر والبؤس لا نجرؤ ولا حتى إلى رفع عيوننا إلى السماء طلباً للرحمة…

 

أين هو سبيل الخلاص؟ لقد تاقت نفوسنا إليه…

وما هى الوسيلة ليحصل كاسرو الوصية على الغفران؟

        حقاً ، لا يوجد إلا رأفات اللَّه، ومراحمه، وطول أناته … فكما أنه غير مرئي، وغير محوى، وفائق العظمة، هكذا أيضاً هو غير محدود الرحمة والشفقة. لقد أرسل ابنه مُخلِّصاً وفادياً، وهو الوحيد الذي له القدرة أن يُحرِّر الجنس البشري من قبضة الشيطان: ” الذي إذ كان فى صورة اللَّه لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً للَّه، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد ” ( فيلبى 2 : 6 ).

        لقد أتى بالمراحم اللانهائية … أتى بملء حنان ابن الآب الوحيد، وهو المساوي له فى القوة والمجد والسلطان، الكائن إلى الأبد مع أبيه خالقاً وجابلاً للسماء والأرض، وللملائكة والناس.

+ لقد شابهنا في كل شيء ما خلا الخطيئة وحدها.

+ لقد أخذ صورة عبوديتنا كي يُخلِّصنا كلنا، ويعود بنا إلى اللَّه الآب مُتحرِّرين من كل إثم، ومن كل وصمة خطيئة.

        من أجل ذلك بدأ تدبير خلاصنا بالصوم، وعانى الجوع زماناً وهو الذي كانت حياته بلا عيب، هكذا فلنجعل نحن أيضاً الصوم فاتحة الاحتفالات المقدسة ” إذاً لنعيد ليس بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الاخلاص والحق ” ( 1 كو 5 : 8 )، ولنحفظ أنفسنا ثابتين فى الطهارة والنقاوة، نازعين نحو طريق الحياة المرضي عند اللَّه . ولا نكن كالعبيد البطَّالين حتى فى الزمان المُحدَّد نسمع كلمات الرب يسوع: ” نعما أيها العبد الصالح الأمين، كنت أميناً فى القليل فأقيمك على الكثير ” ( متى 25 : 23 ).

        يا لوفرة ثمار صوم الإنسان الذى بصومه يترجَّى اللَّه!

        إننا لا نصوم أيها الأحباء كاليهود الذين سمعوا من اللَّه هذه الكلمات المخيفة: ” ليس هذا الصوم أقبله يقول الرب “، لذلك لم يلتفت الرب إليهم فى صومهم بل وبَّخهم بكلمات إشعياء النبي: ” ها أنكم للخصومة والنزاع تصومون، أمثل هذا يكون صوماً لي؟ ” ( إشعياء 58 : 4 ).

        أمَّا نحن فاننا نصوم وقد أخذنا كل الوسائل المؤكدة للخلود.

نصوم ومعنا الصك المعتمد للدخول إلى ملكوت السموات.

نصوم ونحن مؤسسين على أساس الحياة الأبدية القوي.

        فالمطلوب منا، هو أن تكون حياتنا صالحة من كل الوجوه، ثم يضاف الصوم إلى فضائلنا المتكاملة الواضحة، فيكسبنا فرحاً وصفاء.

        من أجل ذلك: ” لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح، مكملين القداسة فى خوف الله ” ( 2 كو 7 : 1 )، وهكذا نقف أمام عرش المسيح بدالة وبدون خوف وننادي إليه قائلين: ” ها قد أتينا إليك، لأنك أنت الرب الهنا ” ( إرميا 3 : 22 ).

لم يرضَ إسرائيل أن يرجع إلى الرب إلهه، لذلك سمع اللـه يتكلم بفم إشعياء النبي أيضاً: ” ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم، نسل فاعلي الشر. أولاد مفسدين، تركوا الرب، استهانوا بقدوس إسرائيل، إرتدوا إلى الوراء. على م تضربون بعد تزدادون زيعاً ” ( 1 : 4 ) .

اليهود لا يعترفون  بالمسيح، إنهم لم يتأثروا بالمعجزات التي أجراها المُخلِّص، ضاربين عرض الحائط بالشهادات الإلهية المكتوبة عنه. بل تمادوا فى غيهم، فشتموه وأهانوه قائلين عنه: ” هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين ” ( متى 12 : 24 ).

        يا لجنونهم !! لقد وصلوا إلى درجة كراهية اللَّه، وهل من دنس أفظع من هذا؟

        ” لا يعلمون، ولا يفهمون فى الظلمة يتمشون. لقد ضلوا من صغيرهم إلى كبيرهم ” ( مزمور 82 : 5 ).

        إن كنتم أيها اليهود لا تعرفون المكتوب عن المسيح، وإن كنتم لا تفهمون شهادات الأنبياء، فلماذا تفتخرون وتتشامخون فى أنفسكم كأنكم قوامون على الناموس؟ أنظروا وتفطنوا، متى وأين تحققت النبوة القديمة: ” حينئذ تتفتح عيون العمى، وآذان الصم تتفتح. حينئذ يقفز الأعرج كالأيل ويترنَّم لسان الأخرس ” ( اشعياء 35 : 5 ، 6 ).

        أتظلون إلى الأبد منتظرين عمانوئيل، وهو قد جاء؟

أتظلون متوقعين حدوث الأمور التى قد تم حدوثها فعلاً؟

ألا تحرككم كل عجائب ومعجزات المسيح التى حدثت؟

أتريدون أن تطفئوا شمس البر الساطعة أمام الجميع؟

أتغمضون أعينكم، وتسدون آذانكم عن آيات المسيح المثبتة؟

        على أية حال، لقد دفعتم ثمن تمرداتكم مرارة وأفسنتينا. لأنكم مشتتون، ومشردون فى كل مكان على وجه الأرض. أنكم محرومون من أرض الآباء وبلا مذبح.

        أسمعوا إلى واحد منكم وهو باروخ النبى، اذ قد شهد عليكم شهادة عادلة: ” لماذا يا إسرائيل، لماذا أنت فى أرض الأعداء؟ قد ذبلت فى أرض الغربة، وتنجست بالأموات، وحسبت مع الذين هم فى الجحيم، أنك تركت ينبوع الحكمة ” ( باروخ 3 : 10 ــ 12 ).

        ليس لديكم رداً على هذا، وإن أجبتم فبكلام غير واضح وبمنطق مغلوط تكابرون على الحق نفسه. لذلك فإسمعوا إذن لمَن هو يقضي للمسكونة بالعدل وهو يقول لكم: ” يا هؤلاء جميعكم القادحين ناراً، المتنطقين بشرار، أسلكوا بنور ناركم، بالشرار الذي أوقدتموه ” ( إشعياء 50 : 11 ).

        لقد سمرتم رب المجد على الصليب، وهو خالق الكون وظننتم أنكم قادرون أن تضعوا الحياة فى أكفان الموت. وكنتم تجهلون أن الطبيعة البشرية تنال خلودها بالمسيح.

        لقد نزل ربنا يسوع المسيح لكي يغلب الجحيم، فأمر كل النفوس التى كانت مأسورة فيه أن يخرجوا، وحرَّرالذين كانوا فى وثاقات الظلمة وأخرجهم إلى النور ( إشعياء 59 : 9 ) وهكذا أطلقهم لأنه هو ربهم المحب.

        ثم عاد المسيح قائماً من قبر الموت مبتهجاً بما أنجزه ــ من إعادة الحياة لِمَن كانوا هالكين فى الجحيم ــ وأمر تلاميذه القديسين قائلاً:

” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمِّدوهم بِاسم الآب والابن والروح القدس ” ( متى 28 : 19 ).

        فلننهل المعرفة إذن من هؤلاء الرسل وأمثالهم من المعلمين، مصممين من كل القلب أن نطيعهم وحدهم دون سواهم. متسلمين ما سلموه من الحق … وحينما تستضيء أذهاننا بالتعليم الكامل الذى من الأسفار المقدسة نهتف لفادينا ومخلصنا الصالح بكلمات موسى النبي:

        ” مَن مثلك بين الأقوياء يارب!! مَن مثلك معتزاً فى القداسة!! مَن مثلك غافر الأثم والمعصية والخطيئة!! ”  ( خروج 15 : 11 ، 34 : 7 ).

        لا يصدكم إذن عن الإيمان بالحق أي مماحك ، بل أسلكوا فى الطريق الملوكي ولا تحيدوا عنه يمنة ( أي نحو تعاليم الهراطقة ) ولا يسرة ( أي نحو الجحود وانكار المسيح ). احفظوا الإيمان سالماً على حاله كما تسلمتموه دون أن تحيدوا أو تميلوا إلى الأضاليل، أو تنخدعوا بمنطق الهراطقة.

        سيروا دائماً فى طريق خدمة اللَّه الحقيقية … معترفين بالثالوث الأقدس المساوي: الآب والابن والروح القدس. لأن هذا الإيمان مُسلَّم لنا من الكتب المقدسة الموحى بها من فوق. ولنعترف بالرب الذى صار إنسانا من أجلنا، وَوُلِدَ من العذراء مريم والدة الإله منادين إيَّاه بنفس كلمات الكتاب: ” ربي وإلهي ” ( يوحنا 20 : 28 ).

        + فنلكن مرتبين في حياتنا بواسطة التداريب الروحية اليومية.

        + ولنُطهِّر ذواتنا من وصمات خطايانا السالفة، مكرسين حياتنا باستقامة للَّه لنحيا طاهرين بلا دنس ولا عيب.

        + لنظهر حنان الأبوة على الأيتام، ولنهتم باحتياجات الأرامل بكل قداسة وبصفة عامة لنحب القريب ونبتعد عن كل إثم.

        + لنأو المحتاجين والمشردين فى بيوتنا، ولنكسر خبزنا للمساكين، ونكسي العريانين. لأننا بمثل هذه الفضائل المعمولة عن حب، نُرضي اللَّه في كل شيء. وبها تتزين أنفسنا، ونستطيع بها أن نصل إلى فرح الخيرات العتيدة التى وعدنا بها اللَّه…

        + بدأنا الأربعين المقدسة ــ بمشيئة الله ــ …  ثم نبدأ البصخة المقدسة التى لمُخلِّصنا الصالح … ونحتفل بالعيد ــ طبقاً لقول الأناجيل المقدسة ــ فى فجر يوم الرب ( يوم الأحد ).

        وبعد ذلك نستمر فى العيد إلى سبعة أسابيع للعنصرة المقدسة. بهذه الطريقة سنأتي إلى ميراث ملكوت السموات … في المسيح يسوع ربنا الذي له ومعه يكون المجد والكرامة للآب إلى أبد الأبدين، آمين .

+++++++++++++

 

ملخص العظة

+ التوبة هى البهجة بعمل المسيح الذى غسلنا من خطايانا.

+ الصوم هو احتفال مفرح، وهو فضيلة تقربنا إلى اللَّه.

+ دنس اليهود وصل إلى كونهم قد كرهوا اللَّه، ورغم ذلك يتباهون بحفظ الناموس.

+ ينصح عملياً بالإكثار من قراءة الأسفار المقدسة، ومحبة القريب بكل ألوانها، وطهارة النفس من كل دنس.

+ الصوم 40 يوماً بما فيهم أسبوع البصخة، والتعييد للقيامة يستمر حتى العنصرة .

Share

Permanent link to this article: https://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%a7%d8%af-%d9%84%d9%84%d8%a8%d8%b5%d8%ae%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%af%d8%b3%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%b3-%d9%83%d9%8a%d8%b1%d9%84/