خميس العهد

من تأملات الآباء

القديس كيرلس الكبير وسر الإفخارستيا…

مقدمة:

عندما يتحدث القديس كيرلس الكبير عن إشتراك المؤمنين فى النعمة الإلهية يشير دائما إلى سر الإفخارستيا المقدسة، التى من خلالها يشارك المؤمن فى الله ويقبله فى أسلوب جديد، سرى ولكنه حقيقى.

من خلال الإفخارستيا يحقق المؤمن علاقة جديدة باطنية وحقيقية مع الله الإبن.

وعلى الرغم من أن القديس كيرلس لم يكتب كتاباً خاصاً عن الأفخارستيا المقدسة إلا أن هناك إشارات كثيرة سكن هذا السر فى مختلف كتاباته.

 

وسوف نستعرض أقوال القديس كيرلس الكبير الخاصة بهذا الموضوع، وذلك فى النقاط التالية:

أولاً: هناك ثلاث محاور خريستولوجية أساسية في تعليم القديس كيرلس لفهم المحتوى الخلاصى للإفخارستيا:

1- إن جسد المسيح ليس مجرد جسد إنسان ما، بل هو جسد الكلمة المتجسد الذى هو جسد محيى.. وإلا فإن الجسد يخلو من القوة المحيية.

2- ليس هناك شك فى أن جسد المسيح هو جسد محيى.. وهو جسد محيى ليس بذاته، ولكن فقط بسبب إتحاده باللوغوس الإلهى. على أن هذا ما كان من الممكن أن يتحقق إلا بسبب الإتحاد الأقنومى بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الناسوتية وصيرورتهما واحداً.

3- من خلال الإفخارستيا يتقبل المؤمن ليس فقط نعمة المسيح بل المسيح ذاته.. جسده ودمه.

والقديس كيرلس يؤكد هذه الحقيقة ويشدد عليها.

( إن الخبز فى الإفخارستيا ليس مجرد رمز بسيط لجسد المسيح ولكنه هو جسد المسيح ذاته، وكذلك فالخمر هو دم المسيح ذاته. إن الخبز والخمر لا يحصلان على القوة المحيية فقط ولكنهما يتغيران تغييراً حقيقياً ويصيران فعلاً جسد المسيح ودمه بقوة الله ).

 

ثانياً: وحيث أن جسد المسيح يقدم للمؤمن في الإفخارستيا لذا فهو يسمى بالمائدة الروحية، وبالبركة الروحية:

وعلى الرغم من أن السيد المسيح هو الذى يهب الحياة، فإن القديس كيرلس يعلم أيضاً أن الروح القدس يفعل نفس الشىء.

وإذا كان التغيير والتحول فى الخبز والخمر يحدث بقوة الله، إلا أن ذلك يتم بطريقة سرية لا يدركها العقل البشرى.. وعلينا أن نتقبل هذا بإيمان وفى صمت.

وإلى جانب هذا السر ” سر تحول الخبز والخمر الى جسد المسيح دمه الأقدسين ” فهناك سر آخر يشير إليه القديس كيرلس وهو: إن جسد المسيح لا يصيبه أى نقص عندما يكسر ويوزع فى نفس الوقت على عدد لا يحصى من البشر وفى كل جزء من أجزاء العالم، وفى نفس الوقت يكون السيد المسيح حاضرا فى كل مكان حيث يحتفل بسر الإفخارستيا.

وعندما يذكر القديس كيرلس أن جسد المسيح يكون حاضراً فى كل مكان فى نفس الوقت فهو يقصد أن المسيح بتمام كيانه حاضر فى كل مكان. إن المسيح الواحد غير المنقسم يكون حاضراً فى كل احتفال افخارستى فى كل مكان وفى نفس الوقت. وهذا التعليم له أهميته الخلاصية، فإن المعنى الخلاصى للإفخارستيا المقدسة يتحقق فى كون

 

المسيح يدخل ويسكن فى المؤمنين الذين يشاركون فيها من خلال جسده ودمه.. يجيء المسيح ويسكن داخل الإنسان.

ويتحدث القديس كيرلس عن علاقة خاصة باطنية وعن إتحاد بين المسيح والإنسان.. عندما يشارك المؤمن فى جسد المسيح فإنه يصير واحداً مع المسيح ويعيش ويكون فيه.

+ وحيث أن الله حياة.. فإن المؤمن الذى يأخذ المسيح فى الإفخارستيا يأخذ حياة حقيقية ويصبح مشاركا فى الله

+ وفى الإفخارستيا يأخذ المؤمن المسيح كقوة مقدسة تقوده إلى القداسة وتمكنه أن يعيش حياة مقدسة، كذلك يحصل الإنسان على الحياة الأبدية.

+ ولذلك يتكلم القديس كيرلس عن الإفخارستيا كبذرة للخلود تهب عدم الموت وتنقى الجسد من الفساد. إن المسيح سوف يبطل موت جسد هؤلاء الذين يتقبلون المسيح كحياة لهم.

+ إن المؤمنين بلاشك يتعرضون فى حياتهم الأرضية إلى الموت الجسد، ولكن الإفخارستيا تصير لهم بذرة ودواء ضد الفساد فى الحياة الأبدية. وهذه بلاشك عطية فوق طبيعية يهبها الله للمؤمنين من خلال سر الإفخارستيا .. على أن عطية النعمة هذه لا تدرك إلا من قبل الذين يؤمنون.

+ الإفخارستيا عند القديس كيرلس هى تقدمة حقيقية تستمد حقيقتها من حقيقة صلب المسيح فى الجلجثة.

 

المسيح هو التقدمة فى سر الإفخارستيا، ولكنه فى نفس الوقت هو الذى يقدم الذبيحة غير الدموية.. فالمسيح هو فى نفس الوقت الكاهن والذبيحة غير الدموية.

عظة للقديس يوحنا ذهبى الفم (تقرأ فى الساعة الحادية عشرة من يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة): ( أريد أن اذكركم إيها الأخوة بما أقوله لكم مرات عديدة وقت تناولنا من أسرار المسيح المقدسة. إذ رأيتكم فى تراخ عظيم وعدم مخافة تستوجب النوح فإنى أبكى فى نفسى وأقول فى فكرى: ألعل هؤلاء عارفون لمن هم قيام أو قوة السر.. وهكذا أغضب بغير إرادتى ).

وإنى كنت أريد أن أخرج فى وسطكم من ضيقة نفسى، لكن.. إذا وبخت أحدا منكم لا يكترث لقولى، بل يتذمر على كأننى قد ظلمته.

يا للعجب العظيم!.. أن الذين يظلمونكم حقا ويسلبون أمتعتكم لا تغضبون عليهم كغضبكم على أنا الذى أريد خلاصكم.

أنا خائف ومرتعب حين علمت بعقاب الله الذى سيحل بكم بسبب تهاونكم بهذا السر العظيم. العلكم تعلمون من هو هذا الذى تريدون أن تتناولوا منه؟.. هو الجسد المقدس الذى لله الكلمة، ودمه الذى بذله عن خلاصنا.. هذا إذا تناول منه أحد بغير إستحقاق يكون له عقوبة ومحقاً.

عن التناول من الأفخارستيا يقول القديس أوغسطينوس:

1 – الإفخارستيا خبز يومى لك تتناوله حياة لنفسك وجسدك.

 

2- إلمسوا جسد المسيح لكى تشفوا من ينبوع الدم الذى هو الملذات البشرية.

3 – إن شئت ألا تأكل وتشرب لدينونتك فعش حياة صالحة.

4- بالرغم من أنها تقدم بأيدى بشرية لكنها لا تتقدس إلا بروح الله الذى يعمل بطريقة غير منظورة.

5- هذا هو الخبز الذى ترونه على المذبح، والذى تقدس بكلمة الله.. هو جسد المسيح، وهذه الكأس، أو بالأحرى ما يحويه الكاس، هو دم المسيح.

6 – كل من يفصل نفسه عن الكنيسة ولا يجتمع مع الجماعة وقت تقديم الذبيحة فهو يحسب مذنباً.

7- لا تقترب من جسد الرب ودمه إن عرفت نفسك غير أمين.

8- من أراد أن يحيا بالله ويغتنم الحياة فليقترب ويتناول هذا الجسد فيحيا.

9- من يأكل هذا الطعام ويتناول هذا الشراب يثبت فى المسيح ويحصل عليه

10- لو تعلقت فاعلية الأسرار المقدسة بقداسة الخدام أو عدمها، لتعلق خلاصنا بحريتهم.

 

 

 

Share

Permanent link to this article: https://stmina.info/%d8%ae%d9%85%d9%8a%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%87%d8%af/