الأنبا باخوميوس أب الشركة

قصة اعتناقه المسيحية ورهبنته:

كان والده من الصعيد الأعلي عابداً للأصنام. ففي ذات يوم تجند باخوميوس ضمن جنود الملك. فحدث بينما كانوا مسافرين وهم بحال سيئة للغاية أن أتاهم قوم مسيحيون من اسنا بطعام وشراب في المعسكر. فسأل باخوميوس: كيف أمكن لهؤلاء الناس ان يتحننوا علينا وهم لا يعرفوننا قط؟ فقيل له أنهم مسيحيون وانهم يفعلون ذلك من أجل اله السماء.

فلما سمع باخوميوس هذا الكلام قرر في نفسه أنه لو أتيحت له فرصة يصير مسيحياً ويخدم المحتاجين، وبتدبير الله غلب الملك أعداءه وأصدر أوامره بتسريح الجنود. فرجع باخوميوس وتعمد.

وبعد ثلاث سنين ترهب عند قديس اسمه بلامون.

أقامته نظام الشركة:

وشرع لوقته في اقامة شركة حتي يساعدوا بعضهم بعضاً ويقوموا باعالة المحتاجين والضعفاء، فاجتمع اليه كثيرون وبنوا أديرة وأتخذوا لهم عيشة مشتركة. وكان القديس يرسل لهم قانون العبادة وشغل اليد والتصرف اللائق ويدبرهم في الجلوس والقيام والسكوت والكلام ويتشدد في ذلك الي أبعد حد.

ولقد كان لخدمته العسكرية أثر كبير في حياته اذ تدرب فيها علي الطاعة والعمل اليدوي والحياة المشتركة، وقد تضمن تنظيم حياة الشركة وتدبيره للآباء الرهبان جميع هذه النواحي العملية.

وفيما يلي تطبيقات عملية لبعض قوانين الرهبنة التي نظمها القديس:

1- كان مفروضاً علي طالب الرهبنة أن يعرف معني الرهبنة:

الرهبنة هي: الصوم بمقدار، والصلاة بمداومة، وعفة الجسد وطهارة القلب وسكوت اللسان وحفظ النظر والتعب بقدر الامكان، والزهد في كل شئ.

وكان يقول: جميع آبائنا القديسين، بجوع وعطش وحزن كثير، اكملوا سعيهم ونالوا المواعيد. إن كنت قد نذرت لله بكورية بمحبة واشتياق فاطلبه من كل قلبك وأسلك حسب وصاياه. وحينئذ يجعلك الله أبنا له، ويباركك، ويصير بركتك نهراً، ونهرك بحراً، ويجعلك كبركة نار، وسراجه يضئ عليك، وتمتلئ نوراً من الأشراق الالهي. ويعطيك الاله مجداً مثل مجد القديسين، فتضع ثقلا علي أراكنة الظلمة، وتري قوة الله في يمينك، وتغرق فرعون وجنوده في بحر ملح وتخلص شعبك من عبودية الغرباء، وتورثهم أرض الخيرات التي تفيض لبنا وعسلاً، التي هي كمال سعيك وخروجك من هذا العالم بسلام. آمين.

2- النوم:

كان القديس باخوميوس يديم الصلاة بنسك زائد وسهر. واذا أراد ان يرقد، لم يكن يرقد ممتداً، ولا علي مصطبة بل كان يجلس مستنداً الي الحائط. وكان اذا مضي الي موضع خارج الدير مع الأخوة واضطروا الي المبيت كان يأمرهم(يفرض عليهم) أن يحفر كل واحد منهم لنفسه حفرة في الأرض مثل مراقدهم في الدير قائلاً لهم:

أنه من الواجب علي الانسان الراهب أن يتعب نفسه في مرقده لكون روح الزني يقفز علي الرجل ليجربه بشدة لاسيما اذا رقد منفرشاً ممتداً براحة.

3 – العمل اليدوي:

وهذا ما كان راهب أو رئيس رهبنة ليعفي منه. وعليه فلقد كان أنبا باخوميوس يشاطر رهبانه أعمالهم اليدوية. يخرج معهم الي الحقول لمزاولة الزرع والحصاد ويحمل مؤونته بنفسه أسوة بهم.

وقيل انه مضي دفعة، في أمر مع الأخوة وكان ذلك الأمر يحتاج الي أن يحمل كل واحد منهم كمية من الخبز. فقال له احد الشبان: حاشاك أن تحمل شيئاً يا أبانا. هوذا أنا قد حملت كفافي وكفافك. فأجابه القديس: هذا لا يكون أبداً. أن كان قد كتب من اجل الرب أنه يليق به أن يتشبه باخوته في كل شئ، فكيف أميز نفسي أنا الحقير عن اخوتي حتي لا أحمل حملي مثلهم. وهذا هو السبب في أن الأديرة الآخري كائنة بانحلال لأن صغارهم مستعبدون لكبارهم وليس من اللائق أن يكون هذا لأنه مكتوب: من يريد ان يكون كبيراً فيكم فليكن لكم عبداً.

4 – العقاب:

واذ كان العقاب ضرورة لا بد منها في حياة الشركة كان يوبخ للهفوات البسيطة.

(أ) توبيخه أحد الرهبان علي كلام باطل:

قيل انه في أحد الأيام سمع الأب باخوميوس أحد الأخوة يخاطب صبياً قائلاً: الآن هو أوان العنب. فانتهره الأب قائلاً: هوذا أجساد الأنبياء الكذبة قد ماتت ولكن الأرواح التي كانت تحاربهم تطوف بين الناس تلتمس مسكنأً فيهم. وانت الآن لماذا أعطيت الشيطان موضعاً كي يتكلم من فيك. أما سمعت الرسول قائلاً: كلمة رديئة لا يجب ان تخرج من أفواهكم بل لتخرج كل كلمة صالحة لبناء الجماعة لكي تعطي السامع نعمة، ألا تعلم أن الكلمة التي قلتها لا تبني رفيقك بل تهدمه. ولماذا نطقت بها؟ ألم يكتب (نفس بنفس)؟ ألا تعلم أن نفسك تؤخذ عوضاً عن نفسه. فاني الآن أشهد لكم أن كل كلمة بطالة أو استهزاء أو لعب أو مزاح أو جهل هذه كلها زني للنفس. ولكي أبين لكم مقدار غضب الله الذي يكون علي ذلك الانسان الذي يتكلم بالكلام البطال وبكلام الاستهزاء أقول لكم المثل الآتي:

دعا رجل غني اناساً الي وليمة لكي يأكلوا ويشربوا ويفرحوا. وفي أثناء الوليمة قام بعض المتكئين يمزحون فكسروا الأواني الموجودة في بيت ذلك الغني. تري ماذا عمل الغني؟ انه غضب عليهم ووبخهم قائلاً: يا عديمي الشكر، لقد دعوتكم لكي تأكلوا وتشربوا فكيف تمزحون وتكسرون الاواني؟ هكذا يغضب الرب علي أولئك الذين دعاهم لدعوته قائلاً لهم: دعوتكم لكي تتوبوا عن خطاياكم وتخلصوا ولكنكم هدمتم نفوسكم ونفوس الذين جمعتهم لي ليخلصوا، بالضحك والكلام الباطل.

(ب) توبيخه لتلميذه تادرس لاستسلامه للراحة الجسدية وشكواه من ألم:

حدث بينما كان الأخوة يقومون بالحصاد وتادرس يعمل معهم وهو صائم أن شعر بارتفاع حرارة رأسه. ومن بعد انتهاء العمل جلس يستظل، فمر به الأب باخوميوس وقال له بوجع قلب: أتستظل يا تادرس؟ فقام تادرس بسرعة. ولما كان المساء تقدم تادرس اليه وقال: يا أبي أني أشعر بألم في رأسي بسبب ضربة الشمس. فقال له الأب: يا تادرس، إن رجلاً راهباً يسلك في طريق الكمال اذا مكث يعاني مرضاً في جسده عشرين عاماً وهو متألم يجب ألا يشكو لأحد من الناس الا من تلك الأمراض التي لا يمكنه أن يخفيها، وهذه الأخرى أيضاً عليه أن يحتملها علي قدر قوته وألا يعطي نفسه راحة الا في أمر يفوق طاقته، لأنه مكتوب أن الروح مستعدة والجسد ضعيف. هل تظن أن تقطيع الأعضاء والحريق وحده شهادة؟ لا! بل أيضاً تعب النسك والضربات التي من الشياطين والأمراض، فمن يحتمل كل ذلك بشكر فذلك هو الشهيد وألا فما الحاجة لان يكتب بولس الرسول: (اني أموت كل يوم) فانه لم يكن يموت في الظاهر كل يوم بل كان بصبر يحتمل ما يأتي عليه وكذلك رجال الله اليوم اذا كانوا في أمراض ويخفونها عن الناس فانهم يعتبرون شهداء أيضاً.

جهاده في الصلاة والسهر:

+ لقد قيل دائماً عن انبا باخوميوس انه كان يقضي وقتا طويلاً في جهاد الشياطين كمصارع حقيقي مثلما كان يفعل القديس أنطونيوس، ولما كانت شياطين كثيرة تأتيه في الليل فانه طلب من الله أن يخلصه من النوم في الليل كما في النهار، حتي يستمر في الصحو ويتمكن من أن يقهر العدو كما هو مكتوب : (لا أرجع حتي أفنيهم) لأن الايمان بالرب يفني قوتهم، فأعطي الله له هذه النعمة كما طلبها الي فترة . ولما كان الانبا باخوميوس طاهراً فانه كان يري الله غير المنظور كما في مرآه.

اتضاعه العجيب:

+ بينما كان الأنبا باخوميوس يعمل مع رهبانه بفرح وغبطة روحية قام أنبا أثناسيوس الرسولي بزيارة رعوية. ولما دنا من منطقة دندره سمع أصوات ترانيم وتسابيح الرهبان الذين يسكنون تلك الناحية، الذين خرجوا من أديرتهم لاستقباله متهللين. وطلب منه سرابيون أسقف دندره أن يرسم باخوميوس كاهناً لأن سرابيون حاول عبثاً ان يضع اليد عليه. وحين سمع باخوميوس ذلك الكلام أختفي عن الأنظار لانه من فرط اتضاعه كان يعتقد أنه أحط من ان ينال هذه الدرجة الكهنوتية السامية. فجمع البابا أثناسيوس رهبان أنبا باخوميوس وقال لهم: سلموا لي علي أبيكم وقولوا له بلساني لقد هربت من المجد الباطل الذي كثيراً ما يثير الحسد في النفوس. فليمنحك الله سؤل قلبك، وانك مع هربك من المجد الفاني، سعيت وراء المجد الباقي. لذلك أعدك بأنني لن أضع اليد عليك قسراً. وآمل إن أتيح لي المرور من هذا الطريق مرة آخري أن أفرح بلقياك. ولما شعر أنبا باخوميوس بانصراف البابا الاسكندري خرج من مكمنه آمنا مطمئناً.

+ جاء ضمن سيرة الأب باخوميوس، انه في بعض الأوقات بينما كان باخوميوس مع الأب بلامون، وافاهما راهب قد استولت عليه الخيلاء والاعتداد بالذات. واذ كان الوقت شتاء، فقد كانت قدامهما نار تشتعل. فلما رآها الأخ الضعيف، داخله السبح الباطل وقال لهما: (من منكما له ايمان صادق بالله، فليقف علي هذا الجمر ويقول الصلاة التي علمها السيد لتلاميذه). فلما سمع الشيخ قوله هذا، زجره قائلاً: (ملعون هو ذلك الشيطان النجس، الذي ألقي هذا الضمير الفارغ في قلبك، فكف عن هذا الأمر، لأنه من شيطان العجب). فلم يحفل ذلك الأخ بقول الشيخ، ولكنه قال: (أنا، أنا)، ثم نهض قائماًً ووقف علي ذلك الجمر المتقد كثيرا، وقال الصلاة الانجيلية مهلا، مهلا ثم خرج من النار ولم تضره بشئ، ومضي الي مسكنه بكبرياء قلب.

فقال باخوميوس للشيخ: (يعلم الرب، اني عجبت من ذلك الاخ، الذي وقف علي هذا الجمر ولم تحترق قدماه).

فقال له الشيخ: (لا تعجب يا ابني من هذا، لأنه بلا شك من فعل الشيطان ولأجل انه لم يذلل قلبه، تسامح الله في ان لا تحترق قدماه، كالمكتوب: ان الله يرسل لذوي الأعوجاج طرقاً معوجة . ولو علمت يا ابني ما ينتهي اليه أمره، لكنت تبكي علي شقاوته).

وبعد أيام قليلة، لما رأي الشيطان انه جانح لخداعه، تشكل بصورة امرأة جميلة جداً، متزينة بثياب فاخرة، فجاءت اليه، وقرعت بابه، ففتح لها لوقته، حينئذ أسفرت عن وجهها وقالت له: (أعلم أيها الأب الخيِّر أن علي ديناً لأقوام مقتدرين، وهم يطالبوني، وليس لي ما أوفيهم، واخشي أن يقبضوا علي، ويأخذوني عبدة لهم، لأنهم مسافرون، فاعمل جميلاً، وآوني عندك يوماً واحداً أو يومين حتي يمضوا، فيكون لك من الله جزيل الأجر، ومني أنا المسكينة صالح الذكر). فأما هو فلانغلاق قلبه، لم يحس البلاء الذي دبر له، داخل قلايته، حينئذ لعبت عليه أفكاره، فعول علي معاشرتها ومد يده نحوها ليتم الفعل النجس فلوقته باغته الشيطان وصرعه علي الأرض، فضاع عقله وبقي مسبخاً كالميت نهاراً وليلاً، ثم عاوده رشده فقام، وجاء الي الشيخ بلامون وهو باك، فطرح ذاته بين يديه قائلاً: (أنا هو السبب في هلاكي، وعلة مماتي، لأني لم أصغ الي كلامك، ولذلك حل بي ما حل). وشرح ما حدث له، ثم طلب صلاة، فلما قاما ليصلي باغته الروح النجس، وطفر به طفرة منكرة ومضي مستكبراً مسافة بعيدة، حتي وصل مدينة تدعي بانوس، وبقي فيها ضائع العقل وقتاً وأخيراً زج بنفسه في تنور متقد، حيث أحترق وهلك .

+ حدث أن تقدم بعض الرهبان الي أنبا باخوميوس يسألونه: (قل لنا يا أبانا ما الذي يمكننا أن نعمله لنحظي بالقدرة علي اجراء الآيات والعجائب؟) أجابهم بابتسامة: (أن شئتم أن تسعوا سعياً روحياً سامياً فلا تطلبوا هذه المقدرة لأنها مشوبة بشئ من الزهو، بل أسمعوا بالحري لتظفروا بالقوة التي تمكنكم من اجراء العجائب الروحية. فان رأيتم عابد وثن وأنرتم أمامه السبيل الذي يقوده الي معرفة الله فقد أحييتم ميتاً، وإذا رددتم أحد المبتدعين فى الدين الى الإيمان الارثوذكسى فتحتم أعين العميان، وإذا جعلتم من البخيل كريماً شفيتم يداً مشلولة، وإذا حولتم الكسول نشيطاً منحتم الشفاء لمقعد مفلوج، وإذا حولتم الغضوب وديعاً أخرجتم شيطاناً، فهل هناك شئ يطمع الانسان أن يناله أعظم من هذا؟

+ ولما سمع بسيرة الأب باخوميوس قوم من رهبان هراطقة أرسلوا اليه جماعة لابسين شعراً وقالوا للأخوة: إن كبيرنا مقدونيوس قد أرسلنا الي أبيكم قائلاً: (أن كنت رجل الله حقاً، وما سمعناه عنك صحيحاً، فتعال لنعبر أنا وأنت النهر سائرين بأرجلنا علي سطح الماء، فيعرف كل واحد عملياً من منَّا له دالة ووجاهة عند الله)، فعرف الأخوة الأب بذلك، فانكر عليهم ذلك قائلاً:

(لماذا استجزتم سماع هذا الكلام بالجملة؟ أما علمتم أن هذه المسائل بعيدة عن الله، ولا تقبلها سيرتنا؟ لأنه أي ناموس يأمر بهذا ويبعثنا علي القيام به؟).

فقال الاخوة: (أيتجاسر هراطيقي بعيد عن الله أن يستدعيك لمثل هذا؟). فأجابهم: (قد يمكن للهراطيقي أن يعبر علي ظهر النهر كعبوره علي أرض يابسة بمظافرة الشيطان إياه، وبسماح من الله حتي لا ينفك كفره، فامضوا وقولوا لهم: هكذا قال عبد الله باخوميوس: إن حرصي أنا، هو هذا: ليس لكي أعبر هذا النهر ماشياً، بل كيف أعبر دينونة الله الرهيبة، وأن أعبر أيضاً هذه الأعمال الشيطانية بقوة الرب).

ولما قال هذا الكلام اقتنع الاخوة بألا يفتخروا بأعمالهم، ولا يشتهوا اجتراح الآيات، ولا يجربوا الله البتة حسبما كتب: (لا تجرب الرب الهك).

إفرازه:

ذكر بعض الآباء، انه كان أخ من الاخوة يتنسك كثيراً ليس من أجل الله. فلما رآه أبونا القديس باخوميوس وعلم أمره، قال له علي انفراد: تعلم يا أخي ان الرب يقول اني نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي لكن مشيئة الآب الذي أرسلني. فاسمع مني ما أريد أن أقوله لك لأني أري أن الشيطان قد حسدك ويريد أن يهلك تعبك فاذا علمت أن الأخوة يريدون أن يأكلوا اذهب معهم وكل قليلاً دون شبعك لأجل تدبير الجسد، وهذا الشئ ما يمنعك عن عبادة الله. وإذا فرغت صلاة الاخوة لا تصل وحدك كثيراً حتي تغلب الشيطان وتهلك شيطان العجب والافتخار لانه قد اشتملك.

فلما سمع هذا الكلام قبله من ذلك الوقت فقط، ثم انه رجع الي ضلالته قائلاً في نفسه: ان كنت لا تصوم ولا تصلي ولا تتنسك فانا أباشر هذه الأعمال التي تخلصني. ثم بدأ يصلي أيضاً. فلما سمع القديس بذلك، دعا تلميذه تادرس وقال له: إني حزين كثيراً من أجل فلان. امض فانظر أي شئ يعمل. فلما ذهب اليه وجده يصلي بدوام فرجع الي عند الشيخ وأخبره بذلك فقال له القديس: أرجع اليه وامنعه من الصلاة، وإذا منعته حينئذ يتبين لك الشيطان الذي استولي عليه. وإذا رأيت ذلك امسكه أنت الي أن أجئ أنا. فانطلق تادرس وصنع كذلك. فلما منعه من الصلاة صرخ علي تادرس قائلاً: يا منافق أنت تمنعني ان لا أصلي. ثم تناول عوداً عظيماً وقصد أن يضرب به تادرس علي رأسه فانتهره باسم الرب وللحين ترك العود، وقال لتادرس ذلك المجنون: أتريد أن تعلم ان الذين يصلون بلذة من فعلنا يضلون. فسمع ذلك وبدأ المريض يصلي تسبحة موسي الأولي، فلما سمع ذلك تادرس تعجب وفزع قائلاً: كم من اليقظه والانتباه تلزم الانسان حتي يتخلص من تجارب الشيطان! وان أبونا باخوميوس اتي وأخذ الأخ المطغي الي الكنيسة وجمع الاخوة وامرهم ان يصلوا معه ويطلبوا من الله ان يرحم ذلك الأخ. وان الله الرحيم شفاه وخلصه من الشيطان النجس وعاد الأخ فيما بعد بكل طاعة واجتهاد واتضاع خاضعاً للقديس، مطيعاً أوامره الحسنة.

+ في بعض الأحيان ظهر الشيطان للأب باخوميوس في صورة السيد المسيح يتجلى، وقال له (افرح يا باخوميوس لاني جئت لافتقادك) ففكر في نفسه قائلاً: (من شأن المناظر الالهية انها من لذة بهجتها وحلاوة نعيمها تسبي خيال مستحقيها اليها ولا يبقي لهم فكر آخر، ولكن أفكاري الآن تروي فنونا وألواناً)

فلما وجده الشيطان مفكراً في هذا، أبعد عنه الأفكار، فقال الأب في نفسه: (إني كنت أفكر أفكاراً والآن فلا وجود لها)، وإذ قال ذلك في نفسه قام الي الشيطان وهو باسط يده كمن يريد أن يمسكه وفي الحال صار كدخان وتلاشي.

رعايته:

ومما يؤثر عن العناية البالغة التي كان يبديها أبو الشركة برهبانه انه كان يجلس كل مساء معهم بعد صلاة الغروب ليستمع الي أسئلتهم ويجيب عنها.

نياحته:

في سنة 348م تفشي في مصر وباء الطاعون وبلغ أديرة الصحاري. فكان الآنبا باخوميوس في هذا الظرف يطوف بين المصابين بهذا الداء. وبينما كان أبو الشركة يحضر شعائر القداس الالهي ليلة عيد الصعود المجيد أحس بعوارض ذلك المرض الخبيث في جسمه. وبعد انتهاء الخدمة دع تلاميذه واخذ يوصيهم بالمحافظة علي قوانين الشركة الروحية والعمل بها. وما أن فرغ من وصيته لهم حتي أسلم روحه الطاهرة. بركة صلاته تكون معنا.

– مزمور 18: 37.

– وردت في سيرة الأب باخوميوس أن هذه الفترة استمرت أربعين يوماً .

– مزمور 18: 26

– نحن نلمس روح التوبة من هذا الشاب في قصته ولا يمكن لانسان ان يجزم بأنه هلك أبدياً اذا كان قد ألقي بنفسه في النار بدون وعي.

– ما نعرفه أن قداس عيد الصعود يقام صباحاً، لكن هذا ما ورد في المخطوطة.

Share

Permanent link to this article: https://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%a8%d8%a7%d8%ae%d9%88%d9%85%d9%8a%d9%88%d8%b3-%d8%a3%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a9/