إن كانت فيبى مثال للمرأة المتبتلة الخادمة فى الكنيسة الأولى، فإن بريسكلا هى المرأة المتزوجة الخادمة الكارزة، حتى أن القديس يوحنا ذهبى الفم يقول: [ سيبقى أكيلا وبريسكلا المثل الأعلى للكمال فى الزواج المسيحى] …
تدعى بريسكلا أو بريسكا وهو اسم لاتينى، وكان زوجها أكيلا يهودياً… ولا نعرف عنهما شيئا سوى الإشارات العابرة التى يشير بها القديس بولس إليهما فى بعض رسائله، فضلاً عن ذكر اسمهما فى سفر أعمال الرسل.. كانت تقيم مع زوجها أولاً فى روما، لكنهما تركاها مع كل اليهود الذين طردهم كلوديوس
قيصر (87) ، وأتيا إلى مدينة كورنثوس، حيث إلتقى بهما معلمنا بولس فى رحلته التبشيرية الثانية حينما وفد إلى هذه المدينة (أع 18: 2)… أمضى بولس فى هذه المدينة سنة ونصف كان خلالها ضيفاً على هذين الزوجين … وقد وطد من أواصر الصلة أنهما كانا- نظير بولس- يعملان فى صناعة الخيام… ولا نستطيع أن نؤكد ما إذا كانت هذه وسيلة كسب عيشهما فى روما أيضاً، أم أنهما إضطرا إليها – نظير بولس أيضاً- إزاء الظروف التى ألمت بهما بعد طردهما من روما… وقد إشتركا مع القديس بولس فى خدمة كلمة الله..
ولما غادر بولس كورنثوس عائداً إلى أنطاكية ماراً بأفسس وأورشليم، رافقاه حتى مدينة أفسس … أقاما فى مدينة أفسس، وأخذا يبشران بكلمة الله، وكان بيتهما هو مكان إجتماع المؤمنين … والرسول بولس فى رحلته التبشيرية الثالثة حينما أتى إلى مدينة أفسس ومكث بها ثلاث سنوات، ومنها كتب رسالته الأولى إلى كورنثوس، كانا مايزالان بها، فنجد القديس بولس يكتب للكورنثيين ” تسلم عليكم كنائس آسيا، يسلم عليكم فى الرب كثيراً أكيلا وبريسكلا مع الكنيسة التى فى بيتهما ” (1 كو 19:16).
وبعد أن تغيرت الأوضاع وسمح لليهود بالعودة الى روما، عادت بريسكلا مع زوجها اليها . وهناك أخذا يمارسان نشاطهما الكرازى … فحينما أنفذ بولس رسالته إلى كنيسة رومية، بعث بتحياته إليهما فى تقدير كبير … ” سلموا على بريسكلا وأكيلا العاملين معى فى المسيح يسوع، اللذين وضعا عنقيهما من أجل حياتى . اللذين لست أنا وحدى أشكرهما بل أيضاً جميع كنائس الأمم، وعلى الكنيسة التى فى بيتهما ” ( رو 16: 3- 5)…. ولا يوجد كلام تقدير أكثر من هذه الكلمات : فهما عملا معه، ووضعا عنقيهما من أجل حياته، ولهما جهود فى خدمة الأمم . ويبدو من هذا الكلام أنهما خاطرا بحياتهما فى سبيل إنقاذ بولس من المؤامرات التى كثيراً ما تعرض لها من اليهود والأمم على السواء …
ومرة أخرى يترك الزوجان روما ويعودا إلى آسيا، وإلى أفسس بالذات كبرى مدنها، ليتابعا عملهما فيها لأجل الرب … فالرسول بولس فى آخر رسالة له من سجنه فى روما – قبيل إستشهاده مباشرة بينما كان يُسكب سكيباً، لا ينسى تعب محبتهما فيكتب إلى تيموثاوس تلميذه وأسقف مدينة أفسس يقول : ” سلم على بريسكا وأكيلا “(2 تى 19:4). ..
ويلاحظ العلماء – ومنهم يوحنا الذهبى فمه – أن اسمها فى العهد الجديد يلازم اسم زوجها، بل أن اسمها فى أكثر الحالات يذكر متقدماً على اسم رجلها، مما يدل على شخصتها الفذة وإقتدارها فى عمل الرب – ويبدو أنها كانت أيضاً مقتدرة فى الكتب المقدسة ” حتى أنها صارت شريكة لرجلها فى شرح الإيمان الحقيقى السليم لأ بولس الاسكندرى الذى كان خيبراً فى طريق الرب، عارفاً معمودية يوحنا فقط ” ( أع 18: 24-26).
هذا كل ما نعلمه عن هذه السيدة البارة المضحية، مثال الزوجة المسيحية الخادمة …. وللأسف لا يمدنا تاريخ الكنيسة بأية معلومات أخرى عنها أو عن زوجها .
(87) لم يكن الزوجان يهوديين و قت طر د اليهود من روما، لكن المسيحيين طردوا مع اليهود ،لأن الرومان كانوا ينظرون إلى المسيحية حتى ذلك الوقت على أنها شيعة يهوديه