المعمودية والإستنارة الروحية:
• القديس كيرلس الأورشليمى:
“رئيس أساقفة أورشليم فى القرن الرابع” من أهم أعمالـه وكتاباتـه “مقالاته لطالبي العماد”.. سجلها الأب كيرلس وهو بعد كاهن، عندمـا أنابه الأنبا مكسيموس المعترف لتعليمهم سنة 348 م.
عن لزوم التوبة قبل المعمودية بالنسبة للكبار.. قال القديس كيرلس: “لقد أعطيت لكم أربعين يوماً فرصة للتوبة، وصار لكم فرصة كاملـة لكى تخلعوا شكلكم السابق وتغتسلوا من كل نجاسة وتلبسوا ثوب العفـة البهى. ولكن إن ظللت على قصدك الشرير فالذى يكلمك ليس مسـئولاً.. إنما لا ينبغى أن تنتظر الحصول على النعمة لأنك حينئذ ستنزل إلـى
الماء ولكن الروح لن يقبلك. وإذا اتخذت دور المرائى فبالرغم مـن أن الناس سيعمدونك لكن الروح القدس لن يعمدك.. فاى واحد منكم يشعر بجرحه فليسرع إلى تضميد جرحه، وإن كان أحد ساقطاً فليقم.. فـإن إقتربت بإيمان فإن الروح القدس يهبك ما هو غير منظور رغـم أن الناس يخدمون فيما هو منظور” (المقدمة فقرة 4، عظة 17: 36).
عن عماد الأطفال قال للذين يعارضون عماد الأطفال لصغرهـم وعدم فهمهم أو لضعفهم البشرى:
+ هل لديك طفلاً، لا تسمح للخطية أن تجد فرصة فيه؟!.. ليتقدس فى طفولته وليتكرس بالروح منذ نعومة أظـافره!.. لا تخـف على “الختم” بسبب ضعف الطبيعة.
+ أيتها الأم ضعيفة الروح وقليلة الإيمان!.. لماذا وعدت حنـة أن يكون صموئيل للرب من قبل أن تلده (1صم 10:1)، وبعد ميلاده كرسته له فى الحال، ولم تخف قـط مـن الضعف البشـرى بل وثقت فى الله. سلمى إبنك للثالوث الأقـدس فإنـه حـارس عظيم ونبيل!!
+ ويرى القديس كيرلس الأورشليمى أن العماد بالغطسات الثلاث لا يحمل فقط إشارة للثالوث الأقدس. بل وأيضاً هو دفن مـع المسيـح الذى بقى مدفونا ثلاثة أيام، وقيامة معه.
+ ويقول عن عظمة سر العماد: (عظيم هو العماد الـذى يوهـب لكم فإنه: عتق الأسرى.. غفران المعاصى.. موت الخطيـة..
ميلاد جديد للنفس.. ثوب النـور.. ختـم مقـدس لا ينفك.. مركبة السموات.. بهجة الفردوس.. ترحيب فـى الملكـوت.. عطية التبنى!).
+ وفى شرحه أن المعموديـة خلع الإنسان العتيق ولبـس الإنسـان الجديد. قال القديس كيرلس الأورشليمى: (إن كـان بينكـم من هو عبد للخطية فليستعد بالإيمان إستعداداً تاماً للميلاد الجديـد فى الحرية والتبنى.. وبخلعـه عبوديتـه للخطايـا المرذولـة وإرتدائة عبوديتـه للـرب المطوبـة يصـير أهـلاً لمـيراث ملكوت السموات).
+ إخلعـوا “الإنسان العتيق الفاسد حسب شهوات الغرور” (أف 4: 22) حتى تلبسـوا “الإنسان الجديد الذى يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه” (كو 3: 10).
+ بالإيمان خذوا عربون الروح للقـدس “لكى يقبلوكم فى المظال الأبدية” (لو 16: 9).
+ تعالوا لتنالوا الختم السرى حتى يعرفكم السيد بسهولة، وتكونـوا محصيين بين قطيع المسيح المقدس الروحانى ويكون مكـانكم عن يمينه فترثوا الحياة المعدة لكم.
أما هؤلاء اللابسون ثوب خطاياهم الدنس فيبقون عن يساره. إذ لـم يأتوا بالمسيح إلى نعمة الله فى الميلاد الجديد بالمعمودية.
وإنى لا أعنى بالميلاد الجديد ميلاداً جسدياً بل ميلاداً روحياً جديـداً للنفس.. فوالدانا المنظوران يلدوننا حسب الجسد أما أرواحنـا فتولـد ميلاداً جديداً بالإيمان إذ ” الريح تهب حيث تشاء ” (يو3 :8)
وعن عظمة المركز الجديد بعد المعمودية.. يقول القديـس كـيرلس الأورشليمى: (إنك لا تتقبل درعاً فاسداً بل درعاً روحيـاً! منـذ الآن تزرع فى فردوس غير منظور).
إنك تتسلم إسما جديدا لم يكن لك من قبل.. إذ كنت تدعى موعوظاً، أما الآن فمؤمناً.
من الآن فصاعداً تطعم فى زيتونة روحية (رو 11 : 24).. إذ قطعـت من الزيتونة البرية وطعمت فى الزيتونة الجيدة، نزعت من الخطايـا إلى البر ومن الأدناس إلى النقاوة.. ها أنـت تصير شريكاً فى الكرمـة المقدسة، حسناً.. فإن ثبت فى الكرمة تنمو كغصن مثمر وإن لم تثبـت تهلك بالنار.
وعن العماد بالماء والروح.. قال القديس كـيرلس الأورشـليمى: (للإنسان طبيعة ذات جانبين هما النفس والجسد.. هكذا تحمل التنقية جانبين: جانب غير مادى من أجل ما وغير مادى (النفس) وجـانب جسدانى من أجل الجسد).
الماء ينظف الجسد، والروح يختم النفس.. بهذا نقترب إلى الله بقلب مرشوش بالروح وجسد مغتسل بالماء.
إذن.. عندما تنزلون فى الماء لا تفكروا فى المـادة مجـردة، بـل تطلعوا إلى الخلاص بقوة الروح القدس.. لأنه بدونهما- كلاهما لا يمكن أن تصيروا كـاملين كما قال الـرب: “إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو 3:2).
• القديس كبريانوس الشهيد يقول:
(إن دخول الكنيسة يكون من خلال سر المعمودية، وهو يسـميها سر الخلاص).
ويبدو أن القديس كبريانوس سبق أن نال رؤيا خاصة وقت عمـاده ساعدتـه فيما بعد على إدراكه لحقيقة ” وحدة الكنيسة “، وهذا ما قاله فـى خبرته الشخصية عن المعموديـة: (حينما غَّسلت مياه الولادة الجديـدة أدناس حياتى السابقة أشرق داخل قلبى نور جليل.. حينئـذ تنسـمت داخلى الروح النازل من السماء وهكذا جعل منى الميلاد الثانى إنساناً جديداً. وفى الحال، وبطريقة ما، تبددت كل شـكوكى.. إذ مـا كـان مستعصى الفهم على صار جلياً، وما كان مشوشاً فى ذهنى صار بـادى الوضوح. ها أنا الآن وقد نلت سلطانا أن أبلغ ما كان صعب المنـال من قبل.. أما الحياة التى بعثها فيَّ الروح القدس فهى من الله).
وفى مقال آخر يقول القديس كبريانوس عن الـروح القـدس فـى المعمودية: (الروح ينسكب بكل سخاء!.. لا موانع تقدر أن تعترض طريقه.. لا جدران حائلة يمكنها أن تعطـل إمتداده.. إنـه يتدفـق بلا توقف.. يفيض حتى يغمر الكل. ليس علينـا سـوى أن نعطـش
ونوسع له قلوبنا.. حينئذ سنغرق فى فيضان نعمة الله ولكـن علـى قدر ما نستطيع نحن أن نتقبلها).
• القديس الأنبا أنطونيوس الكبير:
(يربط بين التوبة والمعمودية ويقول أن التوبة معموديـة ثانيـة: “لأن الروح القدس المعزى المأخوذ فى المعموديـة يعطينـا العمـل بالتوبة ليردنا إلى رئاستنا الأولى) ( الرسالة السابعة ).
• القديس كيرلس الكبير كتب عن التبنى لله في المعموديه :
لأن الآب يقبلنا كأبناء، لأنه تحدث إلى المسيح فى وقت المعموديـة المقدسة كما لو كان قبل الإنسان بواسطته وفيه إلى البنـوة.. قـائلاً: “هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت”.
فالذى هو الإبن بالطبيعة والحق، وهو الوحيد الجنس، فإنـه حيـن صار مثلنا أعلن خـاصة أنه ابن الله، لا كأنـه ينال هذا لنفسه.. لأنه قـد جعل باكورتنا، والبكر، وآدم الثاني.. ولهذا السبب كتب أن ” كل الأشياء صارت جديدة فيه ” (2كو 17:5)، لأننا إذ قد خلعنا القديم الذى كـان فى آدم قد حصلنا على التجديد الذى فى المسيح.
• القديس اثناسيوس الرسولى:
يشهد لحقيقة نعمة البنوة العظيمة التى وهبـت للإنسـان بمجيء المسيح وعطية الروح القدس.. قائلاً فى كتابه ضد أريـوس (2: 95): الكلمة صار جسداً لكـى يجعل الإنسان مؤهلاً للاهوت.. فنحـن لسـنا أبناء الله بحسب الطبيعة ولكن الإبن الساكن فينا هو إبن الله بالطبيعـة
وكذلك أيضاً فإن الله ليس أبانا بالطبيعة ولكنه أب بالطبيعـة للكلمـة الذى فينا.. الذى فيه- أى فى الإبن- وبسببه نصرخ يأبا الآب.
وهكذا وبنفس الطريقة فإن الآب ينادى كل من يـرى فيـهم إبنـه الخاص ويدعوهم أبناء ويقول لكل منـهم ” أنا ولدتك “.. لأن الولادة هـى الأمر الذى يميز الإبن وأما الخلق فهذا خاص بالمخلوقـات.. ولذلـك فإننا لا نولد أولا بل نخلق، أو كما هو مكتوب ” لنخلق الإنسان “.. ولكن فيما بعد، أى بعد خلقتنا، حينما نقبل نعمة الروح القدس يقـول عنـا الكتاب حينئذ أننا مولودون أيضاً.
6- القديس امبروسيوس أسقف ميلان-والذى عمد القديس أوغسطينوس- تكلم عن الملابس البيضاء التى يرتديها الإنسان بعد عماده فقال:
بعد ذلك أعطيت لكم ملابس بيضاء كعلامة على أنكم كنتم تخلـعون لباس الخطايا وتلبسون لباس الطهارة والبراءة الذى قال عنه النبـى: “تنضح على بزوفاك فأطهر. تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج” (مـز 7:51). لأن الذى يعتمد يصير طاهراً بحسب الناموس والإنجيل كليـهما:
+ “حسب الناموس.. لأن موسى رش دم الحمل من الزوفا (خر 12 :22).
+ حسب الإنجيل.. لأن ثياب المسيح كانت بيضاء كالثلج عندما أظـهر مجد قيامته فى الإنجيل (مت 17) “حالة التجلى هى حالة مجد القيامة”.
+ إذن، فذاك الذى يغفر إثمه يبيض أكثر من الثلج.. لذلك قـال الله بواسطة أشـعياء “إن كانت خطاياكم كالقرمز، اجعلها بيضاء كالثلج” (أش 1 :18).
7-القديس اغريغوريوس النيسى قال عن المعمودية واستحقاق دخول ملكوت الله:
حينما تدخلون فى الماء لاتجدون بعد ماء بسيطاً بـل تنتظـرون خلاصاً بالروح القدس لأنكم تستطيعون بلا مـانع أن تصلـو إلـى الكمال. وهذا الكلام ليس كلامى بل كلام الرب يسوع نفسه الذى لـه السلطة التامة فى هذا السر كما فى كل سر غيره، وهو إن كان أحـد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله الذى معنـاه أن لا تكون المعمودية بماء فقط. لأن الذى يعتمد بالماء فقط لا يسـتحق نعمة الله ولا ينالها كاملة.. كما أن الذى لا ينال ختم الماء- مهما كان صالحا بأعماله – لا يستطيع أن يدخل ملكـوت السموات.
• القديس اكليمنضس الإسكندرى:
خصص الفصل السادس من الجزء الأول لكتابه ” المربى ” للحديث عن فاعلية سر المعمودية فى حياة المؤمنين.. خاصة إسـتنارة بصيرتـهم الداخلية للمعرفة عوض الجـهل الذى عاشوا فيه بالخطايا.. فى هذا يقول:
+ الظلمة هى الجـهل الذى يعمى ويمنع قبول الحـق والمعرفـة.. لكننا إذ نقبل الإستنارة يختفى الجـهل وتصير لنا رؤية واضحة.
+ نحن الذين اعتمدنا إذ أذيلت عنا الخطايا التى تحجب نور الروح الإلهى صارت لها بصيرة الروح المتحررة التـى بـلا عـائـق مملوءة نورا والتى بها وحدها نتأمل اللاهوت فـنرى الـروح القدس نازلاً علينا من فوق.
+ هذا هو التعميد الأبدى للرؤية القادرة على معاينة النور الأبدى.. اذ الشبيه يحب شبيهه، والمقدس يحب من تصدر عنه القداسة التى تملك نوراً ” لأنكم كنتم قبلا ظلمة وأما الآن فنور فى الرب ” (أف 8:5).
+ إذ تشرق المعرفة مع الإستنارة تلقى بأشعتها على الذهن فنصير نحن الذين كنا غير متعلمين- تلاميذ.
+ تلك الإستنارة بالمعمودية لا تعطى معرفة نظرية، لكنها تحمل قوة التجديد وتغيير طبيعتنا.
+ هذه هى نعمة الإستنارة. أن شخصياتنا لا تبقى كما كانت عليه قبل نوالها.
+ المربى يخلق الإنسان من تراب ويجدده بالماء وينميه بالروح.
9- قال القديس يوحنا ذهبى الفم للموعوظين المرشحين للعماد:
إن الذين كانوا قبل عمادهم أسرى فإنهم يتمتعون الآن ببهاء الحرية ويصيرون أعضاء الكنيسة.. سالكين فى نور البر البهى بعدما كانوا سائرين فى ليالى الضلال الحالك وظلام الخطية القاتم. حقاً إنهم محررون.. وليس ذلك فقط بل قديسون، فأبرار، فورثة، فأخوة للمسيح.. وارثون معه، فأعضاء لجسده الطاهر، فهياكل الروح القدس.. فتأمل فى العطايا الجزيلة والمواهب الثمينة التى يمنحها سر العماد.. إن كثيرين يظنون أنه يغفر الخطايا فقط وأما نحن فقد أحصينا له عشرة مفاعيل تجعل النفس فى مركز سام ومقام جليل لا يوصف.
10-قال القديس أغسطينوس:
إننا بميلادنا من الماء والروح نتطهر من كل خطية.. سواء أكانت من آدم الذى به أخطأ الجميع، أو بفعلنا وقولنا.. لأننا نغسل منها بالمعمودية (178 :28).
11 – وعن نتائج سر المعموديه قال القديس برنابا في رسالته (فصل 11):
نتمم المعمودية لغفران الخطايا.. فننزل الماء مملوئين من الخطايا والوسخ.. ونصعد مسمرين الخوف فى قلوبنا ومالكين الرجاء بيسوع فى أرواحنا.
12- قال القديس يوستينوس في خطابه إلى تريفون (فصل44):
يجب أن نفتش ونعرف من أى طريق يمكن أن ننال صفع الخطايا ونمتلك رجاء ميراث الخيرات الموعود بها.. ولنا فى ذلك طريق واحد فقط وهو أن نعرف يسوع ونغتسل بالمعمودية لغفران الخطايا.. وهكذا نبتدئ أن نعيش بالقداسة.
13 – وقال القديس اغريغوريوس الكبير:
(إن نعمة المعمودية تنقى الإنسان من كل خطية وتغسله غسلاً تاماً من الرذيلة).
14 – وفى كتابه “تعليم إبتدائي للموعظين، فصل 16″، قال القديس باسيليوس الكبير:
(المعمودية فدية المأسورين، وصفح الأوزار، وموت الخطية، وإعادة ولادة النفس، وثوب نير، وختم لا ينفك ومركبة إلى السماء تؤدى إلى الملكوت ومنحة التبنى).