ميمر للقديس اشعياء الاسقيطي

عن حالة الروح الطبيعية

وكذلك عن الخلاص الذي تم بالمسيح

والعودة إلى مطابقة الطبيعة

   لستُ أريد أن تجهلوا يا إخوتي ؛ أنه منذ البدء لما خلق اللـه الإنسان ؛ وضعه في الفردوس بحواس سوَّية ومستقرة في حالتها الطبيعية ؛ لكنه لما سمع للمُضل ؛ ارتدت كل حواسه إلى حالة مخالفة للطبيعة ؛ وبالتالي سقط من مجده .

أما الرب ؛ فمن أجل محبته العظيمة أشفق على جنس البشر ؛ وصار الكلمة جسداً (يو14:1) ؛ أي إنساناً كاملاً مشابِهاً لنا في كل شيء ما خلا الخطية (عب14:4) ؛ لكي يعيد كل ما هو مخالف للطبيعة إلى حال مطابق للطبيعة بواسطة جسده المقدس .

وهكذا إذ ترأف على الإنسان ردَّه إلى الفردوس ؛ مُنهضاً جميع الذين يتبعون خطواته (1بط21:2) ويسلكون بحسب الوصايا التي أعطانا إياها ؛ لكي نغلب الذين غلبونا وأقصونا عن مجدنا ؛ واضعاً لنا خدمة مقدسة وناموساً نقياً ؛ لكي نثبت في الحالة الطبيعية {الأولى} التي خُلقنا عليها .

أما الذي يريد أن يبلغ حالة المطابقة للطبيعة ؛ فليقطع عنه كل مشيئاته التي بحسب الجسد ؛ إلى أن يصير ثابتاً في الحالة الطبيعية .

الأوجاع المخالفة للطبيعة :

يوجد في النفس اشتياق طبيعي نحو اللـه ؛ وبدون الاشتياق لا توجد محبة ؛ لذلك دعي دانيال ” رجل الاشتياقات ” . ( دا 23:9 ) .

هذه المحبة قد حولها العدو فينا إلى شهوة الخزي ؛ التي تحملنا على اشتهاء كل ما هو غير طاهر .

كذلك توجد في النفس الغيرة التي بحسب الطبيعة ؛ وبدون الغيرة لأجل اللـه لا يوجد تقدُّم ؛ كقول الرسول ” غيروا للمواهب العظمى ” .

وهذه الغيرة التي لأجل اللـه ؛ تحولت فينا إلى ما هو على خلاف الطبيعة ؛ فصرنا نغار ونحسد بعضنا بعضاً ؛ ونفتري أحدنا على الآخر .

كما يوجد في النفس الغضب الذي بحسب الطبيعة ؛ والذي بدونه لا توجد في الإنسان أية نقاوة ؛ لأنه به يحقد على ما يزرعه فيه العدو .

لذلك نرى أن فينحاسُ بن ألِعازار حينما أحتدّ طعن الرجل والمرأة ؛ وبذلك سكن سخط الرب على شعبه ( عد 7:25 ) .

أما نحن فقد تحول فينا هذا الغضب “الطبيعي” إلى غضب ضد القريب ؛ من أجل أمور باطلة ؛ ومخالفة للصواب .

توجد في النفس أيضاً الكراهية التي بحسب الطبيعة ؛ تلك التي لما أحتدَّ بِها إيليا قتل جميع أنبياء الخزي ( 1مل 40:18 ) .

كذلك فعل صموئيل مع أجاج ملك عماليق ( 1صم 23:15) ؛ وبدون الكراهية للعدو ” وأعماله ” لا يستعلن للنفس المجد .

أما نحن فقد تبدلت هذه الكراهية فينا فصارت على خلاف الطبيعة ؛ إذ جعلتنا نبغض القريب ونحتقره ؛ مع أن البغضة تطرد جميع الفضائل .

كذلك يوجد في النفس الشموخ الذي بحسب الطبيعة مقابل العدو ؛ هذا الشموخ الذي أنفصل به أيوب عن أصحابه أعدائه بقوله : ” وكانوا محتقرين ومرذولين ؛ مفتقرين إلى كل صلاح” ؛ ” الذين كنت أستنكف أن أجعلهم مع كلاب غنمي ” ( أي 1:30 ) .

أما بالنسبة إلينا فقد تبدل هذا التشامخ مقابل أعدائنا فصار مذلة ؛ فضلاً عن أننا امتلأنا بالتشامخ الواحد على أخيه ؛ نزدري بعضنا بالبعض مبررين نفوسنا على حساب قريبنا؛ وبسبب كبريائنا جعلنا اللـه عدواً لنا.

هذه ” الطبائع ” كلها قد خلقت في الإنسان ؛ هي التي لما أكل الإنسان من شجرة العصيان ؛ تحولت فيه إلى الأوجاع المخزية .

فلنجتهد إذاً أيها الأحباء أن ننعتق منها ؛ ونقتني ما أظهره لنا ربنا يسوع المسيح في جسده المقدس ؛ لأنه قدوس ويستريح في القديسين .

فلنسهر على أنفسنا لكي نرضي اللـه ؛ مكملين أعمالنا قدر استطاعتنا ولنقايس كل عضو من أعضائنا لكي يصير مطابقاً للطبيعة (رو13:6،19 * أف16:4).

ذلك لكي نجد رحمة في ساعة التجربة العتيدة أن تأتي على العالم كله (لو26:21 * رؤ10:3) .

ونبتهل كل حين إلى صلاحه لكي يسند بمعونته ضعفنا ؛ ويخلصنا من أعدائنا ؛ لأن له القدرة ؛ ومنه المعونة والعزة ؛ إلى دهر الدهور ؛ آمين .

Share

Permanent link to this article: http://stmina.info/5681-2/