Category: رسائل الأنبا انطونيوس

الرسالة الرهبانية التاسعة للأنبا أنطونيوس

الرسالة التاسعة

للقديس أنطونيوس

أحبائى فى الرب أرسل لكم السلام …

إن الإنسان إن كان يريد أن يحب الله بكل قلبه و بكل نفسه و بكل قدرته ، فإنه ينبغى أن يقتنى مخافة الله أولا ، و المخافة تولد فيه البكاء ، و البكاء يولد الفرح ، و الفرح يولد القوة ، و فى كل هذه تكون النفس مثمرة ، و حينما يرى الله أن ثمرها جميل هكذا ، فإنه يقبلها إليه كرائحة طيبة ، و يفرح مع ملائكته بتلك النفس فى كل حين ، و يملأها بالبهجة ، و يعطى للنفس حارسا ليحفظها فى كل طرقها لكى يجعلها تصل إلى موضع الحياة و الراحة و ليمنع الشيطان من أن يقوى عليها . لأن الشرير حينما يرى هذا الحارس الإلهى ، أى القوة المحيطة بالنفس فإنه يهرب ، خائفا من الاقتراب من الإنسان .

و الآن يا أحبائى فى الرب ، الذين تحبهم نفسى و أنا أعلم أنكم محبون لله ، اقتنوا فى أنفسكم هذه القوة ، لكى يخاف منكم الشيطان ، و لكى تكونوا مجتهدين و فرحين فى كل أعمالكم و لكى تحلو لكم الإلهيات . فإن حلاوة الله سوف تمدكم بأعظم قوة ، لأن حلاوة حب الله ” أحلى من العسل و الشهد ” ( مز 19 : 20 ) . إن كثيرين من الرهبان و العذارى فى المجامع لم يذوقوا حلاوة الله العظيمة هذه ، لأنهم لم يقتنوا القوة الإلهية ـ فيما عدا قليلون منهم هنا و هناك ـ لأنهم لم يتاجروا فى هذه القوة و لم يسعوا لطلبها ظانين أنهم قد إقتنوها ، و لذلك فإن الله لم يعطها لهم . لأن كل من يسعى للحصول عليها ، فإنه ينالها كعطية من الله ، فإن الله ليس عنده محاباة ، و لا يأخذ بالوجوه ، بل هو فى كل جيل ، يعطيها لأولئك الذين يستثمرونها .

و الآن يا أحبائى فى المسيح أنا أعلم أنكم تحبون الله . فبما أنكم أتيتم إلى هذا الطريق ، فقد أحببتم الله بكل قلبكم ، و لهذا السبب فأنا أيضا أحبكم بكل قلبى ، و لأن قلوبكم مستقيمة ، فإنكم تستطيعون أن تقتنوا هذه القوة الإلهية لنفوسهم ، لكى تصرفوا كل زمان حياتكم فى حرية و فرح ، و يصير كل عمل من الله خفيفا و سهلا عليكم بتأثير هذه القوة التى يعطيها الله للإنسان هنا ( على الأرض ) ، و أيضا , فإن هذه القوة تقود الإنسان إلى تلك الراحة ، و تحفظه حتى يعبر كل ” قوات الهواء ” ( أف 2 : 2 ) . فإنه توجد قوات عاملة فى الهواء تحاول أن تعوق البشر و تمنعهم من المجئ إلى الله .

لذلك فلنرفع صلاتنا إلى الله ، لكى لا يمنعونا من الصعود إليه . فمادام الأبرار يحصلون على القوة الإلهية فيهم ، فلا يستطيع أحد أن يعوقهم . و هذه القوة الإلهية

حينما تسكن فى الإنسان فإنها تجعله يحتقر كل إهانات ، و كرامات البشر ، و يبغض كل أمور هذا العالم ، و كل راحة جسدية ، و يطهر قلبه من كل فكر شرير ، و من كل حكمة هذا العالم الفارغة ، فقدموا طلبات مع صوم و دموع ليلا و نهارا ، و إن الله الصالح لن يتأخر عن إعطائكم هذه القوة .

و حينما تنالون هذه القوة ، فإنكم تصرفون زمان حياتكم فى راحة و سلام و حرية من كل هم ، و تجدون دالة عظيمة أمام الله ، و هو يعطيكم بنفسه هذه الدالة .

و كان لى كثير أريد أن أكتبه لكم ، و لكنى كتبت هذا القليل بمحبة عظيمة أكنها لكم .

كونوا معافين فى قلوبكم فى الرب , فى كل فعل محبة نحو الله .

اقرأ المزيد

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%87%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b3%d8%b9%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%a3%d9%86%d8%b7/

الرسالة الرهبانية الثامنة للأنبا أنطونيوس

الرسالة الثامنه

للقديس أنطونيوس

 

أحبائى فى الرب …

أكتب إليكم كأبناء أعزاء . فإنه حتى الآباء الجسديين يحبون أولادهم أكثر حينما يجدون هؤلاء الأولاد مشابهين لهم . و هكذا أنا أيضا فبقدر إزديادكم فى التمثل بى , فإنى أصلى إلى الله لكى يعطيكم ما سبق أن أعطاه لآبائنا المغبوطين . و أصلى لكيما آتى إليكم , و أسلمكم أسرارا أخرى أيضا , لا أستطيع أن أكتبها إليكم على الورق . فعيشوا فى فرح و سلام مع أب المراحم , لكيما تنالوا الموهبة التى نالها آباؤكم .

 

و الآن فإن أمكم سارة التى هى الروح تفرح بكم . هذه التى أكملت حملها و ولدت روحا إلهيا فيكم و تشتهى أن تكملكم كما طلبت منها عنكم . و هذا الروح النارى العظيم الذى قبلته أنا اقبلوه أنتم أيضا , و إذا أردتم أن تنالوه و يسكن فيكم فقدموا أولا أتعاب الجسد و تواضع القلب , و ارفعوا أفكاركم إلى السماء ليلا و نهارا , و اطلبوا بكل قلبكم هذا الروح النارى القدوس و حينئذ يعطى لكم , لأنه هكذا حصل عليه إيليا التشبى و أليشع و جميع الأنبياء الآخرين . و لا تفكروا فى قلوبكم و تكونوا ذوى قلبين و تقولوا ” من يستطيع أن يقبل هذا ؟ ” فلا تدعوا هذه الأفكار أن تدخل إلى عقولكم بل اطلبوا باستقامة قلب و أنتم تقبلوه . و أنا أبوكم اجتهد معكم و أصلى لأجلكم لكى تقبلوه , لأنى أعلم أنكم قد جحدتم ذواتكم لكى تستطيعوا أن تقبلوه . لأن كل من يفلح ذاته بهذه الفلاحة فى كل جيل فإنه ينال نفس الروح , الذى يسكن فى المستقيمى القلوب . و أنا أشهد لكم , إنكم تطلبون الله بقلب مستقيم فأديموا الطلبة باجتهاد من كل قلوبكم فإنه سيعطى لكم .

 

و حينما تنالون هذا الروح , فإنه سيكشف لكم أسرار السماء , و أشياء أخرى كثيرة سيعلنها لكم لا أستطيع أن أعبر عنها على الورق . و هو سيجعلكم أحرارا من كل خوف . و يغمركم فرح سماوى ليلا و نهارا , و هكذا ستصيرون كأناس انتقلوا إلى الملكوت و أنتم لا تزالون فى الجسد , و لا تطلبون حينئذ عن أنفسكم فقط , بل تطلبون عن الآخرين أيضا . لأن موسى لما قبل الروح صلى لأجل الشعب قائلا لله : إن أهلكت هؤلاء فأمح اسمى من كتابك ( خر 32 :31 ) .

 

و هكذا ترون أن اهتمامه كان منصبا على أن يصلى من أجل الآخرين , إذ قد وصل إلى هذه القامة بالروح . و لكن قليلين من بين الكثيرين هم الذين وصلوا إلى هذه القامة : أى قامة الصلاة لأجل الآخرين . و أنا لا أستطيع أن أكتب إليكم عن كل هذه الإمور بالتفصيل , أما أنتم فحكماء و تعرفون كل شئ . و حينما آتى إليكم فإنى

سأخبركم عن روح الفرح و كيف ينبغى أن تحصلوا عليه و سأخبركم بكل غناه و عظم لذته , مما لا أستطيع أن أكتبه على الورق .

 

كونوا معافين فى روح الحياة و لتكونوا نامين و مزدادين قوة يوما بعد يوم .

اقرأ المزيد

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%87%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%85%d9%86%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%a3%d9%86%d8%b7/

الرسالة الرهبانية السابعة للأنبا أنطونيوس

الرسالة السابعة

للقديس أنطونيوس

 

       أبنائى” إنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلنا إفتقر و هو غنى لكى نستغنى نحن بفقره ” ( 2 كو 8 :9 ) . إنظروا إنه قد صار عبدا , فجعلنا احرارا بعبوديته , و ضعفه قد شددنا و أعطانا القوة , و جهالته قد جعلتنا حكماء . و أيضا بموته صنع قيامة لنا . حتى نستطيع أن نرفع صوتنا عاليا و نقول ” و إن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد كذلك , و لكن إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة ” ( 2 كو 5 : 16 ـ 17 ) .

       

حقا يا أبنائى الأحباء فى الرب , إنى أخبركم إنه فيما يخص نواحى الحرية التى تحررنا بها , فلا يزال عندى أشياء أخرى كثيرة لأقولها لكم , و لكن ليس هناك وقت الآن لذلك . الآن أحييكم جميعا يا أبنائى الأعزاء فى الرب , أيها الأبناء القديسون الإسرائيليون فى جوهركم العقلى . حقا إنه من المناسب لكم , يا من اقتربتم من خالقكم , أن تطلبوا خلاص أنفسكم بواسطة ناموس العهد المغروس ( فى الداخل ) . ذلك الناموس الذى جف و توقف بسبب كثرة الإثم , و إثارة الشر , و إشتعال الشهوات , و إنعدمت حواس النفس , و لذلك لم نعد قادرين على إدراك الجوهر العقلى المجيد ( الإنسان الباطن ) , بسبب الموت الذى سقطنا فيه . لذلك كما هو مكتوب فى الكتب الإلهية ” كما فى آدم يموت الجميع , هكذا فى المسيح سيحيا الجميع ” ( 1كو 15 : 22 ) . لذلك فإنه هو الآن حياة كل طبيعة عاقلة مخلوقة على مثال صورته , و هو نفسه ( المسيح ) عقل الآب و صورته غير المتغيرة ( عب 1 : 3 ) . أما المخلوقات المصنوعة على صورته فإنها من طبيعة متغيرة لأن الشر قد دخل فينا , و به متنا جميعا , حيث إنه غريب عن طبيعة جوهرنا العقلى . و من خلال كل ما هو غريب عن طبيعتنا , صنعنا لأنفسنا منزلا مظلما و مملوءا بالحروب . و أشهد الآن لكم أننا قد فقدنا كل معرفة الفضيلة . و لذلك فإن الله أبونا رأى ضعفنا , و رأى أننا أصبحنا غير قادرين أن نلبس لباس الحق بطريقة سليمة , لذلك جاء لكى يفتقد خلائقه بواسطة خدمة قديسيه .

 

أتوسل إليكم جميعا فى الرب , يا أحبائى , أن تفهموا ما أكتبه لكم , لأن محبتى لكم ليست محبة جسدية , بل محبة روحية إلهية . لذلك أعدوا أنفسكم للمجئ إلى خالقكم , ” و مزقوا قلوبكم لا ثيابكم ” ( يؤ 2 : 13 ) , و إسألوا أنفسكم ماذا نستطيع ” أن نرد للرب من أجل إحساناته لنا ” ( مز 116 : 11 ) , الذى حتى و نحن فى مسكننا هنا , و فى مذلتنا , ذكرنا فى صلاحه العظيم و حبه غير المحدود ” و لم يصنع معنا حسب خطايانا ” ( مز 103 : 10 ) , و هو الذى سخر لنا الشمس لتخدمنا فى بيتنا المظلم هذا , و عين القمر و جميع الكواكب لأجل خدمتنا , و جعلهم يخضعون للبطل الذى سيبطل ( انظر رو 8 : 20 ) و ذلك لأجل تقوية أجسادنا . و توجد أيضا قوات أخرى كثيرة قد جعلها لخدمتنا , و هى قوات لا نراها بالعين الجسدية .

 

و الآن بماذا سنجيب الله فى يوم الدينونة , و أى خير ينقصنا , و هو لم يهبنا إياه ؟ أ لم يتألم رؤساء الآباء لأجلنا أ لم يمت الأنبياء لأجل خدمتنا ؟ أو لم يضطهد الرسل من أجلنا ؟ أو لم يمت ابنه المحبوب لأجلنا أجمعين ؟ و الآن ينبغى أن نعد أنفسنا لملاقاة خالقنا فى قداسة . لأن الخالق رأى خلائقه ـ و حتى القديسين ـ لم يستطيعوا أن يشفوا الجرح العظيم الذى لأعضائهم . لذلك لكونه أب المخلوقات , فإنه عرف ضعف طبيعتهم جميعا , و أظهر لهم رحمته , بحسب محبته العظيمة . و لم يشفق على إبنه الوحيد لأجل خلاصنا جميعا بل بذله لأجل خطايانا ( انظر رو 8 : 32 ) . و هو مسحوق بآثامنا و بجلداته شفينا ( إش 53 : 4 ) . و جمعنا من كل الجهات بكلمة قدرته , حتى يصنع قيامة لعقولنا ( أرواحنا ) من الأرض , معلما إيانا أننا ” أعضاء بعضنا لبعض ” ( أف 4 : 25 ) .

 

لذلك يجب علينا فى إقترابنا من الله أن ندرب عقولنا و حواسنا لنفهم و نميز الفرق بين الخير و الشر , و لكى نعرف تدبير يسوع الذى صنعه فى مجيئه , كيف أنه جعل مثلنا فى كل شئ ما عدا الخطية وحدها ( عب 4 : 14 ) . ولكن بسبب إثمنا العظيم , و إثارة الشر , و تقلباتنا المحزنة , فإن مجئ يسوع صار جهالة فى نظر البعض , و للبعض عثرة , و أما للبعض الآخرين فهو ربح , و للبعض حكمة و قوة , و للبعض قيامة و حياة ( 1 كو 1 : 23 ـ 24 ) . و ليكن هذا واضحا لكم , أن مجيئه قد صار دينونة لكل العالم . لأنه يقول ” ها أيام ستأتى يقول الرب , و سيعرفوننى من صغيرهم إلى كبيرهم , و لا يعلمون كل واحد قريبه و كل واحد أخاه قائلا إعرف الرب , و سأجعل اسمى يصل إلى كل أطراف الأرض . لكى يستد كل فم و يصير كل العالم تحت قصاص من الله , لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله ” ( إر 31 : 34 , رو 3 : 19 و 1 : 21 ) . و بسبب غباوتهم لم يستطيعوا معرفة حكمته , بل إن كل واحد منا باع نفسه لعمل الشر بإرادته و صار عبدا للخطية .     

 

        لهذا السبب أخلى يسوع نفسه و أخذ صورة عبد ( فى 2 : 7 ) , لكيما يحررنا بعبوديته . و نحن قد صرنا أغبياء , و فى غباوتنا و جهالتنا ارتكبنا كل أنواع الشر , و لذلك أخذ شكل الجهالة حتى بجهالته نصبح حكماء . و قد صرنا فقراء و فى فقرنا افتقرنا إلى كل صلاح و فضيلة , لذلك أخذ شكل الفقر لكى بفقره نصبح أغنياء فى كل حكمة و فهم ( 2 كو 8 : 9 ) . و ليس هذا فقط بل إنه أخذ شكل ضعفنا حتى بضعفه نصبح أقوياء . و أطاع الآب فى كل شئ حتى الموت موت الصليب ( فى 2 : 8 ) , لكى بموته يقيمنا جميعا . لكى يبيد ذاك الذى له سلطان الموت أى إبليس ( عب 2 : 14 ) . فإذا تحررنا بالحقيقة بواسطة مجيئه و تشبهنا بتواضعه فإننا نصير تلاميذ للمسيح , و نرث معه الميراث الإلهى .

 

          حقا يا أحبائى فى الرب إننى منزعج جدا و مضطرب فى روحى لأننا نلبس ثوب الرهبنة و لنا اسم القديسين , و نفتخر بهذا أمام غير المؤمنين . و أننى أخشى لئلا تنطبق علينا كلمة بولس الذى يقول ” لهم صورة التقوى و لكنهم ينكرون قوتها ” ( 2 تى 3 : 5 ) . و بسبب المحبة التى عندى من نحوكم , أصلى إلى الله من أجلكم , أن تفكروا بعمق فى حياتكم , و أن ترثوا الأمجاد غير المنظورة .

 

حقا يا أبنائى اننا حتى إذا أكملنا عملنا بكل قوتنا فى طلب الله فأى شكر نستحق ؟ لأننا نطلب فقط مكافأة لنا , نحن فقط نطلب ما يتفق مع طبيعة حياتنا الروحية و جوهرنا العقلى . لأن كل إنسان يطلب الله و يخدمه بكل قلبه , فإنما يفعل ذلك وفقا لجوهره و هذا طبيعى بالنسبة له . أما إن صدرت منا خطية , فإنما هى غريبة عن طبيعة جوهرنا ( الروحى ) .

 

يا أبنائى الأعزاء فى الرب يا من أنتم مستعدون لتقديم أنفسكم ذبيحة لله بكل قداسة , أننا لم نخف عنكم أى شئ نافع , بل أظهرنا لكم كل ما قد رأيناه أن أعداء الصلاح يدبرون الشر دائما ضد الحق . و خذوا من هذا كلمة منفعة بأن ” الذى حسب الجسد يضطهد الذى حسب الروح ” ( غل 4 : 29 ) . ” و جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى فى المسيح يسوع يضطهدون ” ( 2 تى 3 : 12 ) .

 

و لأن يسوع عرف كل الآلام و التجارب التى ستأتى على الرسل فى العالم , و انهم بصبرهم سيقضون على قوة العدو , أى عبادة الأوثان , لذلك عزاهم بقوله ” فى العالم سيكون لكم ضيق و لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ” ( يو 16 : 33 ) . و علمهم قائلا ” لا تخافوا من العالم لأن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا . إن كانوا قد اضطهدوا الأنبياء الذين قبلكم , فسيضطهدونكم , و إن كانوا يبغضوننى فسيبغضونكم أيضا . و لكن لا تخافوا لأنكم بصبركم ستبطلون كل قوة العدو ” ( رو 8 : 18 , مت 5 : 12 , يو 15 : 20 , لو 21 : 19 ) .

 

أما عن معانى الحرية التى نلناها فعندى الكثير , و لكن اعط فرصة للحكيم فيصير أوفر حكمة ( أم 9 : 9) . و مع ذلك فإننا نحتاج إلى التعزية المتبادلة بكلماتنا البسيطة . و لمحبتى فيكم كلمتكم بهذه الكلمات القليلة الروحانية لتعزية قلوبكم , لأنى أعلم أنه إذا كان العقل قد بلغ الإدراك الحقيقى فلا يحتاج إلى كثرة الكلام الجسدانى . و لكننى أفرح بكم جميعا أيها المحبوبون فى الرب , أنتم الأبناء القديسون الإسرائيليون فى جوهركم العقلى . لأن أول ما يحتاج إليه الإنسان العاقل هو :

أ ـ أن يعرف نفسه .

ب ـ ثم بعد ذلك يحتاج أن يعرف أمور الله , و كل الهبات السخية التى تهبها نعمة الله دائما و أبدا للإنسان .

ج ـ و بعد ذلك يحتاج أن يعرف أن كل خطية و كل إثم إنما هى غريبة عن طبيعة جوهره العقلى ( الروحى ) .

و أخيرا إذ رأى الله أنه بإختيارنا قد صارت لنا هذه الأشياء الغريبة عن طبيعتنا الروحية و أصبحت هى سبب موتنا هنا , لهذا السبب تحرك بالرحمة نحونا و بصلاحه أراد أن يرجعنا ثانية إلى تلك البداية التى بلا نهاية , ( أى حالتنا الأولى التى لا موت فيها ) و افتقد خلائقه , و لم يشفق على نفسه لأجل خلاصنا جميعا . لقد بذل نفسه لأجل خطايانا ( غل 1 :4 ) و صار مسحوقا بسبب آثامنا , و لكننا بجلداته شفينا ( إش 53 : 4 ) . و بكلمة قدرته جمعنا من كل مكان من أقصاء الأرض إلى أقصائها , و علمنا أننا أعضاء بعضنا لبعض ( أف 4 : 25 ) . لذلك فإن كنا قد تهيأنا و عزمنا أن نحرر أنفسنا بواسطة مجيئه إلينا , فلنمتحن أنفسنا كأناس عاقلين لنرى ماذا يمكننا ” أن نرد لرب من أجل حسناته التى صنعها معنا ” ( مز 116 : 11 ) . و هكذا أنا أيضا المسكين البائس الذى أكتب هذه الرسالة , إذ قد نبه عقلى من نوم الموت بنعمته , قد صرفت معظم زمان عمرى على الأرض باكيا منتحبا و أنا أقول ” ماذا يمكننى أن أرد للرب من أجل كل إحساناته التى صنعها معى ” . فليس هناك شئ ينقصنا إلا و قد تممه لنا و عمله لأجلنا و نحن فى مذلتنا . فقد جعل ملائكته خداما لنا . و أمر أنبيائه أن يتنبأوا , و رسله أن يكرزوا لنا بالإنجيل . و التدبير الذى هو أعظم كل تدبيراته أنه جعل ابنه الوحيد يأخذ صورة عبد لأجلنا .

 

          لذلك فإنى أتوسل إليكم , يا أحبائى فى الرب , أنتم الوارثون مع القديسين , أن تنهضوا عقولكم فى مخافة الله . لأنه يجب أن تكون هذه الكلمة واضحة لكم , أن يوحنا السابق ليسوع عمد بالماء للتوبة لمغفرة الخطايا ليجتذبنا إلى معمودية ربنا يسوع الذى عمد بالروح القدس و النار . فلنستعد الآن بكل قداسة أن ننقى ذواتنا جسدا و روحا لنقبل معمودية ربنا يسوع المسيح , لكى نقدم ذواتنا ذبيحة لله . و الروح المعزى يعزينا ليردنا ثانية , إلى حالتنا الأولى فنستعيد الميراث و ملكوت ذلك الروح المعزى نفسه . و اعلموا أن ” كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح , ليس ذكر أو أنثى , ليس عبد و لا حر ” ( غل 3 : 27 و 28 ) . و حينما بنالون تعليم الروح القدس تبطل منهم حركات الأفكار الجسدانية فى ذلك الوقت , حينما ينالون الميراث المقدس ” و يسجدون للآب كما يجب بالروح و الحق ” ( يو 4 : 24 ) . و لتكن هذه الكلمة واضحة لكم , و لا تنتظروا دينونة آتية عندما يأتى يسوع ثانية , لأن مجيئه ( الأول ) قد سبق و صار دينونة لنا أجمعين .

          لذلك اعلموا الآن أن القديسين و الأبرار , الذين لبسوا الروح , يصلون دائما لأجلنا لكيما ننسحق أمام الله و نتحد بربنا و نلبس ثانية ذلك الثوب الذى خلعناه , و الذى كان لنا منذ البدء أى صورتنا الأولى الروحية التى خلعناها بالمخالفة . لأنه كثيرا أيضا ما جاء ذلك الصوت من الله الآب إلى كل الذين لبسوا الروح قائلا لهم ” عزوا عزوا شعبى يقول الرب . أيها الكهنة كلموا قلب أورشليم ” ( إش 40 : 1 و 2 ) لأن الله دائما يفتقد خلائقه و يسكب عليهم صلاحه .

 

          بالحقيقة يا أحبائى , إنه يوجد معانى للحرية التى بها قد تحررنا و يوجد أشياء أخرى كثيرة لأخبركم بها . و لكن الكتاب يقول ” اعط فرصة للحكيم فيكون أوفر حكمة ” ( أم 9 : 9 ) . ليت اله السلام يعطيكم نعمة و روح الإفراز , لتعرفوا أن ما أكتبه إليكم هو وصية الرب . و ليحفظكم إله كل نعمة مقدسين فى الرب إلى آخر نسمة من حياتكم , إنى أصلى إلى الله دائما لأجل خلاصكم جميعا , يا أحبائى فى الرب نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم جميعا . آمين .    

اقرأ المزيد

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%87%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%a8%d8%b9%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%a3%d9%86%d8%b7/

الرسالة الرهبانية السادسة للأنبا أنطونيوس

الرسالة السادسة

للقديس أنطونيوس

 

       من أنطونيوس إلى جميع الإخوة الأعزاء الذين فى أرسينوى (منطقه بالفيوم ) و ما حولها , و إلى أولئك الذين معكم , سلام لكم .

 

        إليكم جميعا يا من أعددتم أنفسكم لتأتوا إلى الله . أحييكم يا أحبائى فى الرب من أصغركم إلى أكبركم , رجالا و نساء , أنتم الأبناء الإسرائيليون القديسون فى جوهركم العقلى . حقيقة يا أبنائى أن غبطة عظيمة قد أتت إليكم , فما أعظم النعمة التى حلت عليكم فى أيامكم هذه . و يليق بكم بسببه هو ( المسيح ) الذى قد افتقدكم , أن لا تكلوا فى جهادكم حتى تقدموا أنفسكم ذبيحة لله فى كل قداسة . فإنها بدونها لا يستطيع أحد أن ينال الميراث .

 

        حقا يا أحبائى إن هذا أمر عظيم لكم , أن تطلبوا ما يختص بفهم الجوهر العقلى الذى لا يوجد فيه ذكر أو أنثى , لكنه كيان غير مائت له بداية لكن ليس له نهاية . و أن تعلموا أن هذا الجوهر العقلى قد سقط فى الهوان و العار العظيم الذى قد أتى علينا جميعا لكنه جوهر غير مائت لا يفنى مع الجسد و لذلك رأى الله أن جرحه غير قابل للشفاء . و لأنه كان جرحا خطيرا هكذا , فإن الله افتقد البشر برحمته و من صلاحه بعد مرور عدة أزمنة , سلم لهم ناموسا لمساعدتهم بواسطة موسى معطى الناموس , و أسس موسى لهم بيت الحق و أراد أن يشفى ذلك الجرح العظيم و لم يستطع أن يكمل بناء هذا البيت .

       

        و مرة أخرى إجتمع معا جوقات القديسين ( الأنبياء ) و طلبوا رحمة الآب لكى يرسل ابنه , لكى يأتى إلينا لأجل خلاصنا جميعا . لأنه هو رئيس كهنتنا و الأمين و الطبيب الحقيقى الذى يستطيع أن يشفى الجرح العظيم . لذلك حسب إرادة الآب , أخلى نفسه من مجده . لقد كان إلها و أخذ صورة عبد (فى 2 : 7 , 8) . لقد أخذ جسدنا و بذل نفسه لأجل خطايانا , و آثامنا سحقته , و بجراحاته شفينا جميعا ( إش 53 : 5) . لذلك يا أبنائى الأعزاء فى الرب أريدكم أن تعرفوا , أنه بسبب جهالتنا أخذ شكل الجهالة , و بسبب ضعفنا أخذ شكل الضعف , و بسبب فقرنا أخذ شكل الفقر , و بسبب موتنا لبس صورة المائت و ذاق الموت , و إحتمل كل هذا من أجلنا . حقا يا أحبائى فى الرب يجب ألا نعطى نوما لعيوننا و لا نعاسا لأجفاننا (مز 132 : 4) لكن يجب علينا أن نصلى و نطلب بلجاجة إلى صلاح الآب حتى ننال رحمة , و بهذه الطريقة سوف يتجدد حضور المسيح ( فينا ) و نعطى قوة لخدمة القديسين , الذين يعملون لأجلنا على الأرض فى وقت تراخينا , و سوف نحثهم ليتحركوا إلى مساعدتنا وقت ضيقنا . حينئذ يفرح الزارع و الحاصد معا .

 

        أريدكم أن تعلموا يا أبنائى , حزنى العظيم الذى أشعر به لأجلكم حينما أرى الإضطراب العظيم الآتى علينا و أفكر فى تعب القديسين العظيم و تنهداتهم التى ينطقون بها أمام الله من أجلنا , لأنهم يشاهدون كل أتعاب و عمل خالقهم لأجل خلاصنا , و كل المشورات الشريرة التى لإبليس و خدامه و الشر الذى يفكرون فيه دائما لأجل هلاكنا منذ صار نصيبهم فى جهنم , و لأجل هذا السبب يريدوننا أن نهلك معهم و أن نكون مع جمعهم الكثير . حقا يا أحبائى فى الرب أتحدث إليكم كما إلى رجال حكماء لكيما تعرفوا تدبيرات خالقنا التى جعلها لأجلنا , و التى تعطى لنا بواسطة البشارة الظاهرة و الخفية . لأننا ندعى عاقلون , لكننا قد لبسنا حالة الكائنات غير العاقلة بسبب ميلنا مع العدو , أم لستم تعلمون كيف تكون حيل الشيطان و فنونه الكثيرة , لأن الأرواح الشريرة تحسدنا منذ أن عرفوا أننا حاولنا أن نرى عارنا و خزينا و قد بحثنا عن طريقة للهروب من أعمالهم التى يعملونها معنا , و لم نحاول فقط أن نرفض مشوراتهم الشريرة التى يزرعونها فينا بل أن كثيرين منا يهزأون بحيلهم . و الشياطين تعرف إحسان خالقنا فى هذا العالم , و إنه قد حكم عليهم بالموت و أعد لهم جهنم ليرثوها بسبب غفلتهم و كثرة خبثهم .

       

        أريدكم أن تعلموا يا أبنائى أننى لا أكف عن التوسل لله لأجلكم ليلا و نهارا لكى يفتح عيون قلوبكم حتى تبصروا كثرة خبث الشياطين الخفى و شرهم الذى يجلبونه علينا كل يوم فى هذا الوقت الحاضر . و أرجو الله أن يمنحكم قلب معرفة و روح تمييز حتى تستطيعوا أن تقدموا قلوبكم كذبيحة نقية أمام الآب فى قداسة عظيمة بلا عيب . حقا يا أبنائى , إن الشياطين تحسدنا فى كل الأوقات بمشورتهم الشريرة و إضطهاداتهم الخفية و مكرهم الخبيث و روح الإغراء , و أفكارهم التجديفية و عصيانهم , و كل الشرور التى يبذرونها فى قلوبنا كل يوم , و قساوة القلب و الأحزان الكثيرة التى يجلبونها علينا فى كل ساعة , و المخاوف التى بها يجعلون قلوبنا تضعف يوميا , و كل غضب و ذم بعضنا لبعض الذى يعلموننا إياه , و كل تبرير لذواتنا فى كل ما نفعل , و الإدانة التى يدخلونها فى قلوبنا , التى تجعلنا عندما نجلس منفردين , أن ندين إخوتنا بالرغم من عدم سكناهم معنا , و الإحتقار الذى يضعوه فى قلوبنا بواسطة الكبرياء عندما نكون قساة القلوب و نحتقر بعضنا البعض , و عندما تكون عندنا مرارة ضد بعضنا البعض بكلماتنا القاسية , و عندما نحزن فى كل ساعة , و عندما نتهم بعضنا البعض , و لا نلوم أنفسنا ظانين أن إخوتنا هم سبب متاعبنا , بينما نحن جالسون نصدر أحكامنا على ما يظهر خارجا ( الأشياء الظاهرة ) , بينما السارق موجود بكليته داخل بيتنا , و كل المجادلات و الإنقسامات ( فى الرأى ) التى نتجادل بها مع بعضنا البعض إنما تهدف إلى إثبات كلمة ذواتنا لنظهر مبررين أمام بعضنا البعض .

 

        إن الأرواح الشريرة تجعلنا نتحمس لأعمال لا نستطيع القيام بها . بينما تتسبب فى أن نفشل و نخور فى المهام التى فى أيدينا و التى هى نافعة لنفوسنا لذلك فإنهم يجعلوننا نضحك فى وقت البكاء و نبكى فى وقت الضحك و هكذا ببساطة , فإنهم يحولوننا كل مرة عن الطريق الصحيح . و توجد خداعات أخرى كثيرة يجعلوننا بواسطتها عبيدا لهم , لكن لا يوجد وقت الآن لكى نصف كل هذه . لكنهم عندما يملأون قلوبنا بهذه الخدع ( الحيل ) فإننا نتغذى بها , فتصير طعاما لنا , و مع ذلك فإن الله يصبر علينا و يفتقدنا لكى نتركها و نرجع إليه . هذا و إن أعمالنا الشريرة التى ارتكبناها ستظهر لنا فى جسدنا و ستلبس نفوسنا هذا الجسد مرة أخرى لأن الله بصبره يسمح بذلك فتصير أواخرنا ( فى هذه الحالة ) أشر من أوائلنا ( مت 12 : 45 ) . لذلك لا تملوا من التوسل و الصلاة إلى صلاح الآب حتى إذا أتتكم معونته , تستطيعون أن تعلموا نفوسكم ما هو الصواب .

 

        حقا أخبركم يا أبنائى أن هذا الإناء الذى نسكن فيه هو سبب لهلاكنا , و بيت مملوء بالحرب . بالحقيقة يا أبنائى أخبركم بأن الإنسان الذى يسر بإرادته الذاتية و يستعبد لأفكاره و يقبل الأشياء التى زرعت فى قلبه و يتلذذ بها , و يتصور فى قلبه أن هذه الأفكار هى شئ عظيم ممتاز , و يبرر نفسه بأعماله الظاهرة فإن نفس هذا الإنسان تكون مأوى للأرواح الشريرة التى تعلمه و تقوده إلى الشر , و جسده يمتلئ بنجاسات شريرة يخفيها فى داخله و يصير للشياطين سلطان عظيم على مثل هذا الإنسان , لأنه لم ينفر منهم و لم يخزهم أمام الناس .

 

         أ لا تعرفون أن الشياطين ليس لهم طريقة واحدة للإصطياد , حتى يمكننا معرفتها و الهروب منها ؟

        أنتم تعرفون أن شرهم و إثمهم غير ظاهرين بشكل منظور , لأنهم ليسوا أجساما منظورة , و لكن ينبغى أن تعرفوا بأننا نصير أجسادا لهم حينما تقبل نفوسنا أفكارهم المظلمة الشريرة , و عندئذ يصيرون هم ظاهرين بواسطة جسدنا الذى نسكن فيه . فالآن إذن يا أبنائى , دعونا لا نعطيهم مكانا فينا , لئلا يأتى غضب الله علينا , أما هم فسيمضون إلى موضعهم و هم يضحكون ساخرين بنا .

 

        و هم يعلمون أن هلاكنا هو عن طريق ( بغضة ) قريبنا , و أن حياتنا أيضا و خلاصنا هى عن طريق ( محبة ) قريبنا . من رأى الله قط , حتى يفرح معه و يحتفظ به داخل نفسه , حتى أن الله لا يمكن أن يفارقه , بل يعينه أثناء سكناه فى هذا الجسد الثقيل ؟ أو من رأى قط شيطانا فى محاربته ضدنا , عندما يمنعنا من عمل الصلاح و يهاجمنا , واقفا فى مواجهتنا بشكل محسوس , لكى نخاف منه و نهرب منه ؟ فإن الشياطين يعملون خفية , و نحن نجعلهم ظاهرين بواسطة أعمالنا . و هم جميعا من مصدر واحد فى جوهرهم العقلى , و لكنهم عندما إبتعدوا عن الله صاروا أنواعا متعددة عن طريق تنوع أعمال شرهم .

 

        و لذلك أعطيت لهم ( الملائكة الأبرار و الأشرار ) أسماء مختلفة على حسب نوع عمل كل واحد منهم . فالبعض من الملائكة ( الأبرار ) يسمون رؤساء ملائكة , و البعض منهم كراسى و ربوبيات , و البعض رئاسات و سلاطين و الشاروبيم , و هذه الأسماء أعطيت لهم حين حفظوا مشيئة خالقهم . و من الجهة الأخرى فإن شر الآخرين ( الملائكة الساقطين ) جعل من الضرورى تسميتهم بأسماء : إبليس و الشيطان , بسبب حالتهم الشريرة , و البعض منهم دعوا شياطين , و البعض أرواح شريرة و أرواح نجسة , و البعض أرواح مضلة , و البعض دعوا بإسم رؤساء هذا العالم . و توجد أيضا أنواع أخرى كثيرة منهم .

 

        و يوجد أيضا بين البشر الذين سكنوا فى هذا الجسد الثقيل , هذا الذى نسكن فيه , من قد قاوموا الشياطين , و البعض من هؤلاء البشر دعوا رؤساء آباء , و البعض أنبياء و ملوك و كهنة و قضاة و رسل , و آخرون كثيرون صاروا مختارين بسبب صلاحهم . و سواء كانوا رجالا أم نساء , فقد أعطيت لهم كل هذه الأسماء على حسب نوع أعمالهم , و لكنهم جميعا هم من واحد .

 

        لذلك فلأجل هذا السبب , إن الذى يخطئ ضد قريبه يخطئ ضد نفسه , و الذى يفعل شرا بقريبه فإنه يفعل شرا بنفسه , و الذى يصنع خيرا بقريبه يصنع خيرا لنفسه . و من جهة أخرى , من الذى يستطيع أن يفعل شرا بالله أو من هو الذى يستطيع أن يؤذيه أو من يستطيع أن يغنيه أو من يستطيع قط أن يخدمه أو من يستطيع قط أن يباركه , كأن الله محتاج إلى مباركة البشر و شكرهم , أو من الذى يستطيع أن يكرم الله الإكرام الذى يليق به أو أن يمجده بالمجد الذى يستحقه ؟ لذلك ففى أثناء غربتنا و نحن لابسون هذا الجسد الثقيل , فلنعط الفرصة لله لكى يكون حيا و فعالا و حاضرا فى نفوسنا عن طريق حث و تحريض بعضنا البعض . و لنبذل ذواتنا حتى الموت لأجل نفوسنا و لأجل بعضنا البعض , فإذا فعلنا هذا فإننا بذلك نظهر طبيعة رحمة الله و حنانه من نحونا . فلا نكن محبين لذواتنا لكى لا نكون مستعبدين لسلطانها المتقلب غير الثابت . لذلك فإن من يعرف نفسه , فهو يعرف جميع الناس . لذلك مكتوب ” إن الله دعا كل الأشياء من العدم إلى الوجود ” ( حكمة 1 : 14 ) . و مثل هذه الشهادات تشير إلى طبيعتنا العقلية المختفية فى هذا الجسد الفاسد , و لكنها غير منتمية إليه منذ البداية بل سوف تتحرر منه . ولكن من يستطيع أن يحب نفسه يحب كل الناس .

        يا أبنائى الأعزاء , إننى أصلى لكى لا يكون هذا الأمر شاقا عليكم و متعبا لكم , و لكى لا تكلوا و تضجروا من محبة بعضكم البعض . يا أبنائى ارفعوا و قدموا جسدكم هذا الذى تلبسونه , و إجعلوا منه مذبحا ( لإحراق البخور ) , و ضعوا عليه كل أفكاركم و اتركوا عليه أمام الرب كل مشورة شريرة , و ارفعوا يدى قلوبكم إلى الله ـ العقل الخالق ـ متوسلين إليه بالصلاة , أن يرسل عليكم من الأعالى و ينعم عليكم بناره غير المرئية العظيمة , لكى تنزل من السماء و تحرق كل ماهو موضوع على المذبح و تطهر المذبح , و بذلك فإن كهنة البعل ـ الذين هم أعمال العدو المضادة ـ سيخافون و يهربون من أمام وجوهكم , كهروبهم أمام وجه إيليا ( 1 مل 18 : 38 ـ 44 ) و حينئذ ستبصرون سحابة ” قدر كف إنسان ” صاعدة من البحر , و هى التى ستأتى إليكم بالمطر الروحانى ليسقط عليكم , الذى هو تعزية الروح القدس .

 

       

        يا أبنائى الأعزاء فى الرب , الأبناء الإسرائيليون القديسون , إنه لا توجد حاجة إلى تسمية أسماءكم الجسدية , التى ستمضى و تنتهى . و لكنكم تعرفون مقدار المحبة التى بينى و بينكم , و هى ليست محبة جسدية , بل محبة روحية إلهية . و إنى واثق تماما أنكم قد نلتم نعمة و غبطة عظيمة , عن طريق إكتشافكم لخزيكم و عاركم الخاص بكم , و إهتمامكم بتقوية و تشديد و ثبات جوهركم غير المنظور ( إنسانكم الباطن ) الذى لا يفنى و لا يضمحل مع الجسد . و بهذه الطريقة أعتقد أنكم تحصلون على النعمة و البركة و الغبظة من هذا الزمان الحاضر . لذلك فلتكن هذه الكلمة واضحة دائما أمامكم , و هى أن لا تظنوا , فى تقدمكم ( فى النعمة ) و سيركم فى الطريق ( الروحى ) , أن هذا هو من فضل أعمالكم , بل إفهموا أن الفضل فى هذا يرجع إلى قوة إلهية مقدسة تشترك معكم و تعينكم دائما فى كل أعمالكم . إجتهدوا أن تقدموا ذواتكم كذبيحة لله دائما . و إعطوا فرحا لتلك القوة التى تعينكم , و إبهجوا قلب الله فى مجيئه , و كذلك كل جماعة القديسين , و إعطوا فرحا لى أنا أيضا ـ أنا المسكين البائس ـ الذى أسكن فى هذا المسكن المصنوع من طين و ظلمة . من أجل هذا فأنا أخبركم بهذه الأمور , لكى أنعش و أعزى نفوسكم , و أصلى , حيث إننا جميعا من نفس الجوهر غير المنظور ـ الذى له بداية و لكنه بلا نهاية ـ أن نحب بعضنا بعضا بمحبة واحدة . لأن كل الذين عرفوا أنفسهم , يعرفون أنهم جميعا من جوهر واحد عديم الموت .

 

        و أريدكم أن تعرفوا هذا , أن يسوع المسيح ربنا , هو نفسه عقل الآب الحقيقى و به قد خلقت كل الخلائق العاقلة على مثال صورته , و أنه هو نفسه , رأس الخليقة , و رأس جسده أى الكنيسة ( كو 1 : 15 ـ 18 ) . لذلك فإننا جميعا أعضاء بعضنا البعض و نحن جسد المسيح . و الرأس لا تستطيع أن تقول للقدمين , لا حاجة لى إليكما , و إن كان عضو واحد يتألم , فالجسد كله يتألم معه ( أف 4 : 25 , 1 كو 27 , 12 : 26 ) . أما إذا إنفصل عضو و خرج من الجسد و لم يعد له إتصال بالرأس , بل يجد مسرته فى أهواء و شهوات نفسه و جسده , فهذا معناه أن جرحه عديم الشفاء , و قد نسى أصل حياته و بدايتها و نسى نهايتها و غايتها . و لذلك فإن آب الخليقة كلها قد تحرك بالحنو و الرحمة نحو جرحنا هذا , الذى لم يستطع أحد من الخلائق أن يشفيه , و لكن شفاءه هو بصلاح الآب وحده . الذى بصلاحه و محبته , أرسل لنا ابنه الوحيد , الذى من أجل  عبوديتنا أخذ صورة العبد ( فى 2 : 7 ) , و بذل نفسه من أجل خطايانا , مسحوقا لأجل آثامنا , و بجرحه شفينا جميعا ( إش 53 : 5 ) , و هو جمعنا من كل الجهات لكى يصنع قيامة لقلوبنا من الأرض و يعلمنا أننا جميعا من جوهر واحد و أعضاء بعضنا لبعض . لذلك ينبغى علينا أن نحب بعضنا بعضا بقوة عظيمة . فإن الذى يحب أخاه , يحب الله , و الذى يحب الله فإنه يحب نفسه .

 

        لتكن هذه الكلمة ظاهرة أمامكم , يا أبنائى الأعزاء فى الرب ـ الأبناء الإسرائيليون القديسون ـ و أعدوا أنفسكم للمجئ إلى الرب , لتقدموا ذواتكم كذبائح لله بكل نقاوة , تلك التى لا يستطيع أحد أن يحصل عليها بدون تطهير . أم تجهلون يا أحبائى , أن أعداء الصلاح يتآمرون دائما , مدبرين شرورا ضد الحق ؟ لأجل هذا أيضا يا أحبائى , كونوا حريصين , و لا تعطوا عيونكم نوما , و لا أجفانكم نعاسا ( مز 132 : 4 ) . و إصرخوا إلى خالقكم نهارا و ليلا , لكى تأتيكم القوة و المعونة من الأعالى , و تحيط و تحفظ قلوبكم و أفكاركم فى المسيح . حقا يا أبنائى إننا متغربون الآن فى بيت السارق , و مربوطون برباطات الموت . أقول لكم بالحقيقة , يا أحبائى , إن إهمالنا و حالتنا الوضيعة و إنحرافنا عن طريق الرب , ليست خسارة و هلاك لنفوسنا فقط , و لكنها أيضا سبب حزن و تعب للملائكة و لجميع القديسين فى المسيح يسوع . حقا يا أبنائى , إن إنحطاطنا و إستعبادنا , يسببان حزنا عظيما لهم جميعا , كما أن خلاصنا و سمونا و مجدنا هى سبب فرح و تهليل لهم جميعا .

 

        إعلموا أن محبة الآب و رأفته لا تتوقف أبدا , فمنذ بداية تحركه بالمحبة من نحونا و إلى اليوم , و هو لا يكف عن العمل لخيرنا و خلاصنا , لكى لا نجلب الموت على أنفسنا بسبب سوء استعمال الإرادة الحرة التى خلقنا بها . لأجل هذا فإن الملائكة أيضا يحيطون بنا فى كل الأوقات كما هو مكتوب ” ملاك الرب حال حول خائفيه و ينجيهم ” ( مز 34 : 7 ) .

 

        و الآن يا أحبائى أريدكم أن تعرفوا , أنه منذ بدأت حركة محبة الله نحونا حتى الآن , فإن كل الذين ابتعدوا عن الصلاح و سلكوا فى الشر , يحسبون أنهم أبناء إبليس , و جنود إبليس يعرفون ذلك و لهذا السبب يحاولون أن يحولوا كل واحد منا لنسير فى طريقهم .

        و لأن الشياطين يعرفون , أن إبليس سقط من السماء عن طريق الكبرياء , لهذا السبب أيضا فإنهم يهاجمون أولا , أولئك الذين بلغوا درجة عالية ( فى الفضيلة ) , محاولين ـ بواسطة الكبرياء و المجد الباطل ـ أن يحركوهم الواحد ضد الآخر , و هم يعرفون ـ أنهم بهذه الطريقة ـ يستطيعون أن يقطعوننا عن الله , لأنهم يعلمون أن من يحب أخاه يحب الله , و لهذا السبب فإن أعداء الصلاح يزرعون روح الانقسام فى قلوبنا , لكى نمتلئ بعداوة و بغضة شديدة ضد بعضنا البعض , لدرجة أن الإنسان فى هذه الحالة لا يستطيع أحيانا أن يرى أخاه أو أن يحدثه و لو من بعيد .

 

        حقا , يا أبنائى , إنى أريدكم أن تعرفوا أن كثيرين قد سلكوا طريق النسك طوال حياتهم , و لكن نقص التمييز و الإفراز تسبب فى موتهم . حقا يا أبنائى , إنكم إذا أهملتم نفوسكم , و لم تميزوا أعمالكم و تمتحنوها فلا أظن أنه يكون أمرا عجيبا أن تسقطوا فى يدى إبليس بينما أنتم تظنون أنكم قريبون من الله , و بينما أنتم تنتظرون النور تستولى عليكم الظلمة . فأى إحتياج كان ليسوع حتى يمنطق نفسه بمنشفة و يغسل أرجل من هم أقل منه ـ إلا لكى يعطينا مثالا , و لكى يعلم أولئك الذين سيأتون و يتحولون إليه لينالوا منه الحياة من جديد ؟ ( انظر يو 13 : 4 ـ 17 ) . لأن بداية حركة الشر كانت هى الكبرياء التى حدثت أولا . و لهذا فبدون إتضاع عظيم من كل القلب و العقل و الروح و النفس و الجسد , لن تستطيعوا أن ترثوا ملكوت الله .

 

        حقا يا أبنائى فى الرب , إنى أصلى نهارا و ليلا إلى إلهى الذى نلت منه عربون الروح ( 2 كو 1 : 22 ) , أن يفتح عيون قلوبكم لتعرفوا المحبة التى عندى من نحوكم , و يفتح آذان نفوسكم لكى تكتشفوا إرتباككم . فإن من يعرف خزيه , فإنه يسعى من جديد لطلب النعمة التى وهبت له , و الذى يعرف موته يعرف أيضا حياته الأبدية .

 

        إنى أكلمكم يا أبنائى , كأناس حكماء . إنى أخاف لئلا يستولى عليكم الجوع فى الطريق , بينما كان من المفروض أن نصير أغنياء . كنت أرجو أن أراكم وجها لوجه فى الجسد . و لكننى أتطلع إلى الأمام , إلى الوقت القريب , الذى فيه سنصير قادرين على أن نرى بعضنا البعض وجها لوجه حينما يهرب الألم و الحزن و التنهد , و يكون الفرح على رؤوس الجميع ( إش 35 :10 ) .

 

و هناك أمور أخرى كثيرة أريد أن أخبركم بها . و لكن ” اعط فرصة حكمة للحكيم فيزداد حكمة ” ( أم 9 : 9 ) .

سلامى لكم جميعا , يا أبنائى الأعزاء كل واحد بإسمه .

 

 

 

اقرأ المزيد

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%87%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%af%d8%b3%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%a3%d9%86%d8%b7/

الرسالة الرهبانية الخامسة للأنبا أنطونيوس

الرسالة الخامسة

للقديس أنطونيوس

       أنطونيوس إلى أبنائه الأعزاء , الإسرائيليين القديسين فى جوهرهم العقلى .

ليس هناك حاجة إلى ذكر أسماءكم الجسدية التى ستفنى لأنكم أنتم أبناء إسرائيليون . حقا يا أبنائى , أن الحب الذى بينى و بينكم ليس حبا جسديا لكنه حب روحانى إلهى .

 

        و لهذا السبب لا أمل من الصلاة إلى إلهى ليلا و نهارا من أجلكم , كى تتمكنوا من معرفة النعمة التى قد عملها الله من نحوكم . لأنه ليس فى وقت واحد فقط افتقد الله خلائقه , لكن منذ بداية العالم وضع الله ترتيبا لكل خلائقه , و هو فى كل جيل يوقظ كل شخص بواسطة فرص عديدة و بواسطة النعمة . و الآن يا أبنائى لا تهملوا الصراخ إلى الله ليلا و نهارا لتستعطفوا صلاح الآب , و هو فى سخائه و نعمته سوف يهبكم معونة من السماء معلما إياكم , لكى تدركوا ما هو صالح لكم .

 

        حقا يا أبنائى إننا نسكن فى موتنا , و نمكث فى منزل اللص , و نحن مكبلون برباطات الموت , فالآن إذا , لا تعطوا نعاسا لعيونكم و لا نوما لأجفانكم ( مز 132 : 4 ) , حتى تقدموا أنفسكم ذبيحة لله فى كل قداسة لكيما تروه , لأنه بدون قداسة لا يستطيع أحد أن يرى الرب كما يقول الرسول ( عب 12 : 14 ) . حقيقة يا أحبائى فى الرب , لتكن هذه الكلمة واضحة لكم . و هى أن تفعلوا الصلاح و هكذا تنعشون القديسين و تعطون بهجة للطغمات الملائكية فى خدمتهم , و فرحا لمجئ يسوع , لأنهم لا يكفون عن التعب فى خدمتنا حتى هذه الساعة , و أنا أيضا الفقير البائس الساكن فى جسد من تراب ستمنحون فرحا لروحى .

 

        حقا يا أولادى إن مرضنا و حالتنا الوضيعة هى سبب حزن لجميع القديسين . و هم يبكون و ينوحون لأجلنا أمام خالق الكل , و لهذا السبب يغضب الله من أعمالنا الشريرة بسبب تنهدات القديسين , و أيضا فإن تقدمنا فى البر يعطى فرحا لجموع القديسين , و هذا يجعلهم يرفعون صلوات أكثر بابتهاج و تهليل عظيم أمام خالقنا . و هو نفسه خالق الجميع , يفرح بأعمالنا بشهادة قديسيه و يمنحنا مواهب نعمته بلا كيل .

 

        لذلك عليكم أن تعرفوا أن الله يحب خلائقه بصورة دائمة , لأنه خلقهم بجوهر خالد , و قد رأى الله كيف أن الطبيعة العاقلة قد إنحدرت كلية إلى الهاوية , و ماتت كلية , و أن ناموس العهد الذى فيهم قد جف و توقف . و من صلاحه افتقد البشرية بواسطة موسى . و أسس موسى بيت الحق  و أراد أن يشفى الجرح العظيم و أن يرجعهم إلى الإتحاد الأول , و لكنه لم يستطع أن يفعل هذا فابتعد عنهم . ثم أيضا جوقة الأنبياء الذين بنوا على أساس موسى و لم يستطيعوا أن يشفوا الجرح العظيم الذى لأعضائهم . و لما رأوا أن قواهم خارت اجتمع أيضا شعوب القديسين بنفس واحدة و قدموا صلاة أمام خالقهم قائلين : ” أ ليس بلسان فى جلعاد ؟ فلماذا لم تعصب بنت شعبى ؟ داوينا بابل فلم تشف دعوها و لنذهب كل واحد إلى إرضه ” ( إر 8 : 12 و 51 :9 ) .

 

        و جميع القديسين طلبوا صلاح الآب لكى يرسل ابنه الوحيد , لأنه إن لم يأت بنفسه هنا فإن أحدا من كل الخلائق لم يكن يستطيع أن يشفى جرح البشر العظيم . من أجل هذا تكلم الآب فى صلاحه قائلا : ” و أنت يا ابن آدم فهيئ لنفسك آنية أسر و اذهب إلى الأسر بإرادتك ” ( حز 12 : 3 و أيضا إر 46 : 19 ) . إن الآب ” لم يشفق على ابنه الوحيد بل بذله لأجل خلاصنا أجمعين ” ( رو 8 : 32 ) , ” و هو مسحوق لأجا آثامنا و بجلداته شفينا ” ( إش 53 : 5 ) . و هو قد جمعنا من كل أطراف العالم صانعا لقلوبنا قيامة من الأرضيات معلما إيانا أننا بعضنا أعضاء البعض ( أف 4 : 25 ) . كونوا حريصين يا أبنائى لئلا تنطبق علينا كلمة بولس بأن لنا ” صورة التقوى و لكننا ننكر قوتها ” ( 2 تى 3 : 5 ) و الآن ليمزق كل واحد منكم قلبه أمام الله و يبكى أمامه قائلا ” ماذا أرد للرب من أجل كل إحساناته لى ” ( مز 116 : 12 ) . و إننى أخشى أيضا يا أولادى لئلا تنطبق علينا هذه الآية ” ما الفائدة من دمى إذا نزلت إلى الحفرة ” ( مز 30 : 9 ) .

 

        حقا يا أبنائى إننى اتحدث إليكم كما إلى حكماء لكى تفهموا ما أقوله لكم و هذا ما أشهد به لكم : أن من لا يبغض كل ما يختص بالمقتنيات الأرضية و يزهدها مع كل أعمالها من كل قلبه و يبسط يدى قلبه إلى السماء إلى أب الكل فلن يستطيع أن يخلص .

 

        أما إذا تمم ما قد قلته فإن الله يتراءف على تعبه و يمنحه ناره غير المرئية التى ستحرق كل الشوائب منه , و سوف تتطهر روحنا , و عندئذ سيسكن فينا الروح القدس و يمكث يسوع معنا , و هكذا سنكون قادرين أن نسجد للآب كما يحق . لكن إن بقينا متصالحين مع طبائع العالم , فإننا نكون أعداء لله و لملائكته و لجميع قديسيه .

 

        و الآن يا أحبائى أتوسل إليكم باسم ربنا يسوع المسيح , أ لا تهملوا خلاصكم و أ لا تحرمكم هذه الحياة السريعة الزوال من الحياة الأبدية , و لا يحرمكم هذا الجسد الفاسد من مملكة النور التى لا تحد و لا توصف , و لا هذا الكرسى الهالك أن ينزلكم عن كراسى محفل الملائكة . حقا يا أبنائى إن قلبى مندهش و روحى مرتعبة , لأننا أعطينا الحرية أن نختار و أن نعمل أعمال القديسين , و لكننا قد سكرنا بالأهواء و الشهوات – كالسكارى بالخمر – لأن كل واحد منا قد باع نفسه بمحض إرادته و قد صرنا مستعبدين باختيارنا , و نحن لا نريد أن نرفع عيوننا إلى السماء لنطلب مجد السماء , و عمل كل القديسين , و لا أن نسير فى إثر خطواتهم .

 

        لذلك إفهموا الآن أنه سواء أ كانت السماء المقدسة أو الملائكة أو رؤساء الملائكة أو العروش أو السلاطين أو الشاروبيم أو السيرافيم أو الشمس أو القمر أو النجوم أو البطاركة أو الأنبياء أو الرسل أو إبليس أو الشيطان أو الأرواح الشريرة أو قوات الهواء … أو ( بدون أن نقول أكثر ) سواء رجل أو إمرأة كل هؤلاء فى بدء خلقتهم نشأوا من مصدر واحد كلهم , و هو الثالوث كلى القداسة الآب و الابن و الروح القدس . و بسبب سلوك بعضهم الشرير صار من الضرورى أن يعطى الله أسماء لكل نوع منهم طبقا لأعمالهم . و أولئك الذين تقدموا كثيرا أعطاهم مجدا فائقا .

اقرأ المزيد

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%87%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d9%85%d8%b3%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%a3%d9%86%d8%b7/

الرسالة الرهبانية الرابعة للأنبا أنطونيوس

الرسالة الرابعة

للقديس أنطونيوس

 

       أنطونيوس يتمنى لكل إخوته الأعزاء فرحا فى الرب .

يا أعضاء الكنيسة سوف لا أمل من ذكركم , أريد أن تعرفوا أن المحبة التى بيننا ليست محبة جسدية و لكن روحية إلهية . لأن الصداقة الجسدية ليس لها صلابة و ثبات , إذ تحركها رياح غريبة . إن كل من يخاف الله و يحفظ وصاياه , فهو خادم الله . و هذه الخدمة ليست هى الكمال بل فيها البر الذى يقود إلى التبنى . و لهذا السبب فإن الأنبياء و الرسل , و هم الجماعة المقدسة الذين اختارهم الله و ائتمنهم على الكرازة الرسولية , أصبحوا بصلاح الله أسرى للمسيح يسوع . لذلك يقول بولس ” بولس أسير يسوع المسيح المدعو رسولا ” ( أف 3 :1 , رو 1: 1 ) . لذا فإن الناموس المكتوب يعمل فينا بعبودية صالحة , إلى أن نصبح قادرين على السيادة على كل شهوة . و نصبح كاملين فى الخدمة الصالحة للفضيلة من خلال هذا المستوى الرسولى .

 

        لأنه إذا إقترب إنسان من النعمة فإن يسوع سيقول له ” سوف لا أدعوكم عبيدا , بل أدعوكم أصدقائى و إخوتى لأن كل الأشياء التى سمعتها من أبى أخبرتكم بها ” ( يو 15 : 15 ) فإن كل الذين اقتربوا من النعمة و تعلموا من الروح القدس قد عرفوا أنفسهم حسب جوهرهم العقلى . و فى معرفتهم لأنفسهم صرخوا قائلين ” لأننا لم نأخذ روح العبودية للخوف و لكن روح التبنى الذى به نصرخ يا أبا الآب ” ( رو 8 : 15 ) حتى نعرف ماذا أعطانا الله ” إذا كنا أبناء فإننا ورثة أيضا . ورثة الله , و وارثون مع القديسين ” ( رو 8 : 17 ) .

 

اقرأ المزيد

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%87%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d8%b9%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%a3%d9%86%d8%b7-2/

الرسالة الرهبانية الثالثة للأنبا أنطونيوس

الرسالة الثالثة 

 

الإنسان العاقل الذى أعد نفسه لكى يتحرر ( يخلص ) بظهور ربنا يسوع يعرف نفسه فى جوهره العقلى , لأن الذى يعرف نفسه يعرف تدابير الخالق و كل ما يعمله وسط خلائقه . 

 

 

يا أعزائى المحبوبين فى الرب ( أنتم ) أعضاؤنا و الورثة مع القديسين . نتوسل ( لأجلكم ) باسم يسوع , أن يعطيكم الله روح التمييز , لكى تدركوا و تعرفوا عظم المحبة التى فى قلبى من نحوكم , و تعرفوا أنها ليست محبة جسدية بل روحية إلهية . لأنه لو أن الأمر بخصوص أسمائكم الجسدية لما كانت هناك حاجة لأن أكتب إليكم بالمرة لأنها ( هذه الأسماء )  مؤقتة . لكن إذا عرف إنسان اسمه الحقيقى فسوف يرى ( يعرف ) أيضا اسم الحق . و لهذا السبب أيضا عندما كان يعقوب يصارع طوال الليل مع الملاك كان لا يزال اسمه يعقوب , لكن عندما أشرق النهار دعى اسمه إسرائيل أى ” العقل الذى يرى الله ” ( تك 32 : 24 – 30 ) . 

 

و أعتقد أنكم لا تجهلون أن أعداء الفضيلة يتآمرون دائما ضد الحق . لهذا السبب فقد افتقد الله خلائقه ليس مرة واحدة فقط , بل من البدء كان هناك البعض مستعدين لأن يأتوا إلى خالقهم بواسطة ناموس عهده المغروس فيهم , هذا الناموس ( الداخلى ) الذى علمهم أن يعبدوا خالقهم باستقامة . و لكن بسبب انتشار الضعف و ثقل الجسد و الإهتمامات الشريرة جف و توقف الناموس المغروس ( فى البشر ) و ضعفت حواس النفس , حتى أن البشر أصبحوا غير قادرين أن يجدوا أنفسهم على حقيقتها بحسب خلقتهم , أى كجوهر ( طبيعة ) عديم الموت لا يتحلل مع الجسد …..

اقرأ المزيد

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%87%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%a3%d9%86%d8%b7/

الرسالة الرهبانية الثانية للأنبا أنطونيوس

الرسالة الثانية 

إخوتى الأعزاء المبجلين , أنا أنطونيوس أحييكم فى الرب .

حقا يا أحبائى فى الرب , ليس مرة واحدة فقط إفتقد الرب خليقته , بل منذ تأسيس العالم , حينما يأتى أى واحد من البشر إلى خالق الكل , بواسطة شريعة عهد الله المغروسة فى القلب , فإن الله يكون حاضرا مع كل واحد من هؤلاء بصلاحه و بالنعمة , بواسطة روحه . أما فى حالة تلك الخلائق العاقلة التى اضمحل فيهم عهده و ماتت بصيرتهم العقلية , فصاروا غير قادرين على أن يعرفوا أنفسهم كما كانوا فى حالتهم الأولى ( الأصلية التى خلقوا عليها ) , عن هؤلاء أقول إنهم صاروا غير عاقلين ( فقدوا الحكمة ) و عبدوا المخلوق دون الخالق , لكن خالق الكل , فى صلاحه العظيم افتقدنا بواسطة ناموس العهد المغروس فينا . فإن الله جوهر عديم الموت . إن كثيرين صاروا أهلا ( مستحقين ) لله و نموا و تقدموا بواسطة ناموسه المغروس فيهم , و تعلموا بواسطة روحه القدوس , و نالوا روح التبنى , هؤلاء صاروا قادرين على أن يعبدوا خالقهم كما يجب . و عن هؤلاء يقول بولس ” لم ينالوا المواعيد بدوننا ” عب 11 :29 .

 

و خالق الكل لا يتراجع عن محبته , و إنه برغب فى أن يفتقد مرضنا و حيرتنا , لذلك أقام موسى واضع الناموس , الذى أعطانا الناموس المكتوب و أسس لنا بيت الحق أو الكنيسة الجامعة التى تجعلنا واحدا فى الله , لأنه ( الله ) يرغب فى أن نعود إلى الحالة الأصلية التى كنا عليها فى البدء . و موسى بنى البيت إلا إنه لم يكمله بل تركه و مضى . 

اقرأ المزيد

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%87%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%a3%d9%86%d8%b7/

الرسالة الرهبانية الاولى للأنبا أنطونيوس

الرسالة الأولى

 

( رسالة من أنطونيوس المتوحد و رئيس المتوحدين إلى الإخوة الساكنين فى كل مكان )

 

أولا و قبل كل شئ أهدى سلامى إلى محبتكم فى الرب …

 

أرى يا إخوة أن النفوس التى تقترب من محبة الله هى ثلاثة أنواع , سواء من الرجال أو من النساء.

          النوع الأول ( الدعوة الأولى ) هم أولئك الذين دعوا بناموس المحبة الذى فى طبيعتهم , تلك المحبة التى غرست فيهم من الصلاح الأصلى عند خلقتهم الأولى , و عندما جاءت إليهم كلمة الله , لم يشكوا فيها مطلقا بل قبلوها و تبعوها بكل إستعداد و نشاط , مثل أب الآباء . فلما رأى الله أنه لم يتعلم محبة الله عن طريق تعليم البشر و إنما تعلمها من الناموس المغروس فى طبيعة خلقته الأولى , ظهر الله له و قال ” أخرج من أرضك و من عشيرتك و من بيت أبيك إلى الأرض التى سوف أريك ” ( تك 1 :1 ) فخرج دون أن يشك ، بل كان مستعدا لدعوته . إن إبراهيم هو نموذج لهذا النوع من الاقتراب إلى محبة الله , و الذى لا يزال موجودا إلى الآن فى أولئك الذين يسلكون فى خطواته . إنهم يتعبون طالبين مخافة الله بالصبر و السكون و يحصلون على الحياة الحقيقية لأن نفوسهم مستعدة لأن تتبع محبة الله . هذا هو أول نوع للدعوة .

اقرأ المزيد

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%87%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%88%d9%84%d9%89-%d9%84%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%a3%d9%86%d8%b7%d9%88/