البابا كيرلس الخامس– البطريرك المائه والثانى عشر

البابا كيرلس الخامس– البطريرك المائه والثانى عشر

     ولد يوحنا فى بلده تزبنت مديرية بنى سويف سنه 1824، وبعد ميلاده بفترة هاجر به أبواه من تزمنت ليستوطنا كفر سليمان الصعيدي ( كفر فرج ) بمديرية الشرقية ثم توفى والده وهو طفل، فتكفل به شقيقة الأكبر المعلم بطرس، ولما بلغ سن الرشد رسمه الأنبا إبرام مطران القدس شماساً، وكانت تبدو عليه دلائل التقوى والميل إلى الزهد والانقطاع عن العالم، ومحبة الكتب والقراءة، فكان يتجنت أصدقاءه الشبان ويعكف على الروحيات.

ولما بلغ العشرين من عمره أى في سنه 1844 تردد بين أمرين : إما أن ينذر نفسه لله ويعيش بتولاً بين الرهبان، أو يتزوج ويصير أب أسرة، إلا أن الوازع الأول تغلب عليه، فقصد دير السريان ولكن أسرته سعت لإرجاعه ورجوه ألا يتركهم، إلا انه مالبث أن هرب ليعيش راهباً في دير البراموس.

وكان دير البراموس آنذاك يعانى من الفقر، وكانت إيراداته فى أيدى الغير يستغلونها لأنفسهم، حتى أن رهبانه كانوا يقتاتون على الترمس الذي كان مدخرا في الأديرة منذ أيام المعلم إبراهيم الجوهري، ولذلك كان عدد رهبانه قليل وصلوا إلى أربعة رهبان، أما هو فكان معهم فتعلم أصول الفضيلة، ومن ثم اتفقت كلمتهم على ترقيته إلى درجة الكهنوت، وكتبت له ترقية ورسم قساً 1845 على يد الأنبا صرابامون أسقف المنوفية في حارة زويلة.

وبعد قليل طلبه الرهبان ليتولى ادارة شئونهم، فتسلم تدبير مجمع الرهبان بدير البراموس فنجح لأنه احتقر نفسه ليرفع الرهبان، وكان يوزع عليهم ما يكسبه من حرفة نسخ الكتب ومن هنا سمى “يوحنا الناسخ”، وتحسنت أحوال الدير فى عهده وزاد عدد رهبانه.

ولما فاح عطر سيرته الحسنه، رغبت الامة القبطية فى احضاره الى القاهرة وتعيينه فى رتبه أعلى فلم يقبل، ولم يسمح كبار الرهبان بأن يتركهم، إلى أن استدعاه البابا ديمتريوس عام 1855 ورسمه ايغومانساً ليكون مساعداً له في الكاتدرائية بالأزبكية، إلا أن الرهبان فى البراموس شق عليهم هذا فكتبوا يستعطفون البابا فى رجوعه فارجعه.

القمص يوحنا ودير المحرق :

ثار رهبان دير المحرق على رئيسهم القمص عبد المسيح الهوري سنه 1857 ووفدوا الى القاهرة برئاسة القمص عبد المسيح جرجس المسعودى مطالبين بعزل الهوري، ولما حقق البابا كيرلس الرابع فى شكواهم ووجدها بسيطة لا تستحق كل هذه الثورة، لطم زعيمهم على وجهه وأمره بالتوجه إلى دير البراموس، فسار الى هناك ومعه كل من القمص حنس والقمص ميساك والقمص ميخائيل الاشقاوى وغيرهم.

واستقبلهم هناك القمص يوحنا، وأحبهم ولم يعاملهم كضيوف اتوا ليقيموا بشكل مؤقت بل حسبهم أخوته، لهم كافة الحقوق كرهبان الدير البراموسيون، وأشركهم معه فى شئون الدير وتنمية موارده المادية والروحية.

حتى أنه لما جاء بطريركاً فيما بعد لم ينسى هؤلاء الرهبان المهاجرين، بل قدر أتعابهم وأفسح لهم مجال الخدمة، فجعل القمص عبد المسيح المسعودي أباً لرهبان دير البراموس، ورفع عددا منهم إلى رتبة الأسقفية.

ترشيح القمص يوحنا للبطريركية :

بعد نياحة البابا ديمتريوس اجتمع الأساقفة مع وجهاء الشعب الأرثوذكسي، وقرروا تعيين مطران البحيرة ووكيل الكرازة المرقسية نائباً بطريركياً إلى أن يتفقوا على اختيار بطريرك جديد، إلا أن هذا المطران لم يقنع بهذا المنصب المؤقت بل طمع فى المنصب بشكل دائم، فرشح نفسه بطريركاً، ولكي يكسب عطف الشعب، شكل لهم مجلساً ملياً من أربعة وعشرين عضوا واعتمده من الخديوي بقرار حكومي صدر فى 29 يناير 1874.

وكان هذا المطران يخطو بثقة، بل أن وهبة الجيزاوي كبير كتاب المالية آنذاك، الذى استطاع ان يقنع الخديوى بصلاحيته دون غيره للكرسي البطريركي، فأخذ إسماعيل باشا برأية، وأظهر استعداده له متى اجتمعت كلمه الأقباط عليه.

إلا أن الأساقفة برئاسة الأنبا ايساك أسقف البهسنا والفيوم زاروا وهبه بك هذا في داره، وافهموه أنهم اتفقوا جميعاً على ترشيح القمص حنا الناسخ البراموسي بطريركاً، وانهم لن يرضوا غيره بديلاً، كما حملوه بلهجة شديدة مسئولية تأخير الرسامة، وما يترتب عليها من سوء العواقب تضر بالأمة القبطية وبالكنيسة والشعب، وقالوا له أنه قد مات أساقفة قسقام ومنفلوط وأسيوط وقنا واسنا والخرطوم وإنهم يخشون من تأخر الرسامة أكثر من ذلك فلا يجدون فيما بعد العدد الكافي من الأساقفة لتنصيب البطريرك، وصارت مشكلة بين وهبه بك والأنبا ايساك الغاضب، وما لبث ان مات وهبه بك من الحزن لما فعل، كما حزن إسماعيل باشا على وهبه بك فأرجا إصدار أمر عال بالرسامة.

إلا أنه في هذا الوقت كانت الكنيسة الحبشية تعانى من بعض المشاكل التى لا يمكن حلها إلا عن طريق البطريرك، لهذا وسط النجاش قنصل روسيا لكي يتدخل ويعجل برسامة بطريرك فى مصر عند الباب العالي فى الأستانة، وبعد أن درس الباب العالي القضية فى الديوان العثماني بالأستانة، كتب السلطان يتعجل الخديوي فى سيامة البطريرك، فلم يجد إسماعيل باشا بدا من التنفيذ بان أعطى الحكومة أمرا بهذا.

وعليه التمس الشعب القبطي رسامة القس يوحنا، طلب من المنام الخديوي عن طريق المجلس الملي إحضاره بمساعدة الحكومة لرسمه بطريركاً، فتم ذلك، وكلفت الحكومة مدير أمن البحيرة بإحضاره، فحضر القمص يوحنا إلى القاهرة وانتخبه البطاركة والأساقفة الأعيان بطريركاً للكرازة المرقسية فى 23 بابة 1591، 1 نوفمبر 1874 بإحتفال كبير حضره كبار رجال الأمه والرؤساء الروحيون وكان ذلك فى الكنيسة الكبرى في الازبكية، ثم زار الباب العالي الخديوي في اليوم التالي.

Share

Permanent link to this article: https://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d8%a7-%d9%83%d9%8a%d8%b1%d9%84%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d9%85%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d8%b1%d9%83-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a6%d9%87/