الأنبا دانيال قمص برية شيهيت

والذي تحمل سيرته شهادة حيّة عن حيوية الرهبنة القبطية ومجدها في القرن السادس الميلادي.

نشأته:

وُلد سنة 485م، وارتحل إلى برية شيهيت وهو صبي. وقع تحت الأسر ثلاث مرّات في رهبنته المبكرة، ربما بسبب شغفه نحو الدخول إلى البرّية الداخلية.

في المرة الثالثة صرع أسيره بحجر فأرداه قتيلاً وهرب. لكنه ظل تحت عذاب الضمير طوال حياته.

لما كان مرّ النفس جدًا، طلب من البابا تيموثاوس الثالث (518-536م) عقوبة يتحملها تساعده على التوبة، فحاول أن يقنعه بأن ذلك كان دفاعًا عن النفس، لكنه لم يقتنع، فرحل إلى روما والقسطنطينية ثم أفسس وأورشليم وإنطاكية يسأل أساقفة هذه البلاد فقالوا له ما قاله البابا تيموثاوس.

وأخيرًا إذ لم يسترح سلّم نفسه للقضاء بالإسكندرية، لكن القاضي أخلى سبيله متمنيًا لو قتل سبعة من هؤلاء البرابرة العنفاء.

مع أولوجيوس قاطع الأحجار:

وتتخلل حياة أنبا دانيال قصة أولوجيوس قاطع الأحجار الذى صلى له القديس حتى يعطيه الرب مالاً ينفقه على نفسه وعلى ضيوفه، لأنه كان يحب ضيافة الغرباء والمساكين.

فأستجاب الله لصلاة أنبا دانيال ووجد أولوجيوس كنزًا كبيرًا ولكنه بدلاً من أن يكون مضيافًا ذهب إلى القسطنطينية يطلب وظيفة وجاهًا لدى الملوك.

واشترك أولوجيوس في مؤامرة سياسية ضد جوستيان سنة 532م وكان وشك الوقوع في القبض لولا هروبه إلى مصر تاركًا كل ثروته.

عاد ليقطع الحجارة كما كان أولاً وبالتالي إلى فقره الكريم وغنى محبته في إضافة الغرباء والمساكين.

فأجتمع به الأنبا دانيال وقصَّ عليه ما حل به بسببه، فعزاه وسنده ورده إلى محبة الفقراء.

مع القديسة أناسطاسيا:

لما شاع صيته أتت إليه الشريفة أناسطاسيا إحدى الشماسات اللواتي هربن مع القديس أنبا ساويرس الأنطاكي إلى مصر سنة 518م.

وكانت غنية جدًا وقد جاءت متخفية في زي الرجال وأعلمته بحقيقة أمرها، كما أخبرته بأنها هربت من وجه إمبراطور القسطنطينية الذي أراد الزواج منها.

فترهبت ومكثت في مغارة بقربه مدة ثمانية وعشرين عامًا ولم يعلم بأمرها أحد. وكان أحد تلاميذ القمص دانيال يحمل إليها الخبز والماء مرة أسبوعيًا ويتركهما عند باب مغارتها.

وكانت كلما ساورتها الهواجس والهموم وصفت جميع ما خالجها من مشاعر بكتابته على حجر وتتركه عند باب المغارة، فيأخذه التلميذ إلى القديس دانيال الذي يكتب لها بدوره الرد ويرسله مع التلميذ وكان القديس يختار رسوله ممن يجهلون اليونانية التي تكتب بها القديسة أناسطاسيا، فتظل اعترافاتها سرًا مكتومًا.

في أحد الأيام ذهب التلميذ كالعادة فوجد شقفة ( إحدى الوسائل كتابة الخطابات السائدة في هذا العهد ) مكتوب عليها :” احضر ومعك الأدوات “.

علم الأنبا دانيال أن القديسة تحتضر فذهب إليها عاجلاً ومعه الأسرار وأدوات الدفن فناولها من الأسرار المقدسة بعد أن أخذ من فمها الطاهر آخر كلماتها ثم كشف لتلميذه سر حياتها وقاما بدفنها معًا.

مع القديسة أناسيمون الملكة الهبيلة:

كشف القديس دانيال عن شخصية القديسة أناسيمون الملكة التي تخفّت في شخصية هبيلة لتعيش محتقرة في إحدى أديرة البنات بمصر.

كما كشف عن شخصية قديس عظيم يُسمى مرقس كان يتسوّل أمام دار البطريركية.

أنبا دانيال واللص التائب:

أراد لص أن يسرق أموال دير للراهبات فتقمص شخصية أنبا دانيال ودخل الدير ليلاًَ.

سألته الراهبات أن يصلّي من أجل راهبة عمياء، وإذ لم يكن مسيحيًا ولا يدري ماذا يفعل، قال لهن أن يغسلن وجهها بالماء الذي غسلن به قدميه.

وإذ انفتحت عيناها تأثر اللص جدًا، وخرج باحثًا عن القديس أنبا دانيال الذي استقبله ببشاشة وأعلمه أنه كان معه بالروح حين دخل دير الراهبات.

آمن اللص بالمسيحية وتتلمذ على يدي أنبا دانيال.

أنبا دانيال يواجه العذابات من أجل الأمانة المقدسة:

تعرض القديس للضرب حتى كاد يفارق الحياة، وذلك لأنه شجب طومس لاون وعقيدة مجمع خلقيدونية أمام مندوب الملك يوستنيان.

اضطر إلى الهروب إلى مدينة تامبولا (حاليًا مركز شبراخيت) حيث أقام بجوارها ديرًا مكث فيه حتى مات يوستنيان عام 565م.

أنبا دانيال وأثناسيا وزوجها أندرونيكس:

كانا من أثرياء إنطاكية، مات أولادهما جميعًا فجأة فدخلا في حزنٍٍ شديدٍ. لكنهما عادا إلى حياة التسليم لله، وقرّرا الرهبنة.

جاء الزوج إلى القديس أنبا دانيال الذي نصحه أن يستودع زوجته في إحدى أديرة الراهبات ثم يعود إليه.

تتلمذ على يدي أنبا دانيال لمدة 12 عامًا. وإذ أراد زيارة الأماكن المقدسة التقى براهبٍ يود الذهاب إلى أورشليم، فتحدثا معًا في الطريق، وتعاهدا أن يعيشا معًا في قلالي متجاورة عند عودتهما.

بالفعل سكنا في الدير الثامن عشر بالإسكندرية (اوكتوكا يديكاثون). وبقيا هناك 12 عامًا، وكان القديس دانيال يفتقدهما.

أخيرًا تنيح الراهب واكتشف أندرونيكوس أن الراهب هو زوجته أثناسيا، فأقام في قلايتها ولكنه لم يعش بعدها كثيرًا، إذ تنيح بعد قليل ودفن بجوارها.

اهتمامه بأولاده:

عاش القديس دانيال قمص شيهيت أربعين سنة ونصف في الصحاري مداومًا على الصلاة والصوم، مهتمًا بالرهبان والراهبات الخاضعين لرئاسته وقد نال هذا القديس أحزانًا كثيرةً في سبيل الإيمان، وأظهر الله على يديه آيات كثيرة.

عرف زمان انتقاله من هذا العالم، فجمع الرهبان وأوصاهم وثبتهم وعزاهم ثم تنيّح بسلام عن 85 سنة قضاها في النسك والحياة الرهبانية الحقيقية وذلك في الثامن من شهر بشنس وهو يقول :”ياربي يسوع المسيح حبيبي روحي اقبل نفسي بين يديك”

كلمة أخيرة:

لقد كان هذا القديس أبًا طاهرًا كاملاً، خدم بلاده أعظم خدمة بأن قدم للكنيسة أساقفة أعلام من خلال برامج الدراسة التي كانت تُقَدم في الأديرة بهدف إعداد الرهبان لحسن تأدية رسالتهم، والذي كان هذا القديس أحد القائمين بالتعليم فيها مع غيره من الشيوخ الرهبان الذين اشتهروا بالعلم والتقوى. ليس ذلك فحسب بل أن رعايته شملت المتبتلات أيضًا فرعاهن أحسن رعاية.

Share

Permanent link to this article: https://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%a8%d8%a7-%d8%af%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%84-%d9%82%d9%85%d8%b5-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%b4%d9%8a%d9%87%d9%8a%d8%aa/