الأحد الثالث

 

الخطية وما تصنعه فى الإنسان. قال قداسة البابا شـنوده الثـالث: الخطية هى موت.. الخطية هى انفصال عن الله.. الخطية هى حرمان من الله. الخطية هى ضلال وضياع.. للخطية هى هزيمة لا نصـرة.. الخطية هى نجـاسة وعار.. الخطية هى فساد الطبيعة البشرية.

أولاً: كل هذا نجده فى مثل الابن الضال:

+ فالخطية سببت له الموت، لذلك قال الأب:لأن إبنى هذا كان ميتا فعاش” (لو 15 :24)

+ والخطية هى التى سببت له الضلال والضياع.. لذلك قال الأب “وكان ضالاً فوجد” (لو 24:15).

+ الخطية هى التى سببت له الإنفصال والحرمان مـن أبيـه، إذ خرج من بيت أبيه وانفصل عنه.

 

+ والخطيه هى التى سببت له النجـاسه والعار وفساد الطبيعة البشـريه، اذ اشتهى أن يأكل من الخرنوب الذى يعطى للخنازير ولم يعطه أحد.

1- مثل الإبن الضال:

“وقال إنسان كان له إبنان. فقال أصغرهما لأبيه يا أبى أعطنى القسم الذى يصيبنى من المال، فقسم لهما معيشته. وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الإبن الأصغر كل شيء وسافر إلى كورة بعيدة وهناك بذر ماله بعيش مسرف” (لو 15: 11-13).

خرج الإبن الأصغر هارباً من بيت أبيه، وكان يظن أن فـى هـذا حرية كاملة، ولكن: 2- قال القديس الشهيد كبريانوس:

+ (من يبقى خـارج الكنيسة فهو خارج معسكر المسيـح).

+ وقال أيضاً: “من ليس له الكنيسة أما، لا يقدر أن يكون الله أباه”

3- وقال القديس امبروسيوس أسقف ميلان:

(من يبتعد عن الكنيسة يبدد ميراثه). هذا الإبن صنـع ذلـك عـن جهل.. كان يظن أن الوضع فى الخـارج أحسن من الداخـل.. لم يفـهم المفهوم الحقيقى للحرية.

4- وفي هذا قال القديس يوحنا السلمى:

(حين تدخل الخطية يلازمها الجهل.. وأمـا قلـوب المسـتقيمين فمملوءة معرفة).

فى تعبير “سافر الى كورة بعيدة” ، قال القديس امبروسيوس: (الإبتعاد الأعظم هو أن ينفصل الإنسان لا خلال المسافات المكانية وإنما خلال العادات .. فلا يذهب إلى أماكن مختلفة بل يحمل إتجاهات مختلفة).

 

5- وقال القديس اغسطينوس:

(إن هذا الرحيل هو إتكال الإنسان على ذاته وقوته الخاصة، فيفقد عمل الله.. وعلى العكس الإقتراب من الله يعنى الإتكال عليه ليعمـل فينا، فنصير على مثاله).

هذا كان حال الإبن الضال، لذلك قال القديس أغسطينوس أيضاً:

+ بالخطية يميل الإنسان عن الكائن الأسمى إلى الكـائنات الدنيوية.

+ يالفظاعة الإثم الذي فيه إرتميت.. مصغيا إلى فضـول دنـس يقودنى بعيدا عن الرب.

+ يروقك طريق الخطاة لأنه رحب والسائرون عليـه كثـيرون.. وأنت تدرك عرضه ولكن لا ترى نهايته.

+ تدخل الخطية فى حياتنا مع أمواج هذا العالم من خلال شـقوق ضعفنا.

ثانياً: “فلما انفق كل شيء حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدأ يحتاج” (لو 15 : 14):

• قال القديس امبروسيوس اسقف ميلان:

المجاعة التى اجتاحت تلك الكورة لم تكن مجاعة طعام، بل مجاعـة الأعمال الصالحة والفضائل. هل يجد أمر يحتاج إلى رثاء أكثر مـن هذا؟!.. فإن من يبتعد عن كلمة الله يصير جائعاً لأنـه “ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة من الله” (لو 4: 4).

 

بالإبتعاد عن الينبوع نعطش.. وبالإبتعـاد عـن الكـنز نفتقر.. وبالإبتعاد عن الحكمة نصير جـهلاء.. وبالإبتعاد عن الفضيلة نموت. إذن كـان طبيعياً لهذا الإبن أن يحتاج، لأنه تـرك الله “المذخر فيه جميع كنوز الحكمه والعلم” (كـو 2: 3)، وتـرك أعمـاق الخـيرات السمائية، فشعر بالجوع.. إذ لا يوجد ما يشبع الإبن الضال.

الإنسان يصير فى جوع دائم عندما لا يدرك أن الطعام الأبدى هـو مصدر الشبع.

ثالثاً: “فمضى وألتصق بواحد من أهل تلك الكورة فأرسله إلي حقوله ليرعي خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يعطه أحدا” (لو 15 :15 ،16):

• قال القديس امبروسيوس أسقف ميلان:

يبدو أن هذا الرجل يشير إلى الشـيطان “رئيس هذا العالم”، وقـد أرسل هذا الإبن إلى حقوله.. التى بها يعتذر الشـارى عـن وليمـة الملكوت (لو 18:14)، وفيـها يرى الخنازير التى طلبت الشـياطين أن تدخل فيها فاندفعت إلى جرف هذا العالم (مت 8: 32)، هذه الخنـازير تعيش على النفايات والنتانة. كان يشتهى أن يملأ بطنه من الخرنوب الذى كانت الخنازير تأكلـه فلم يعطه أحد.

 

الخاطئ لا هم، له سوى أن يملأ بطنه، إذ قيل “إلههم بطنهم” (فى 3: 19). للطعام المناسب لهم هو الخرنوب.. الفارغ من الداخل والليـن من الخارج.. الذى يملأ البطن بلا فائدة غذائية.. وزنه أكثر من نفعه.

رابعاً: رجوعه إلي نفسه:

“فرجع إلى نفسه وقال كم من أجيـر لأبى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعا. أقوم وأذهب إلى أبى أقول له يا أبى أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقا بعد أن أدعع لك إبنا، اجعلنى كأحد أجراك” (لو15 :17-19.)

• قال القديس امبروسيوس:

(رجع إلى نفسه بعد أن إبتعد عنها.. لأن الرجوع إلى الرب هـو رجوع إلى النفس، فمن يبتعد عن المسيح يقاوم نفسه).

2- وقال القديس أوغسطينوس:

+ إن كان قد رجع إلى نفسه، فلأنه كان قد ترك نفسه.. إذ سـقط عن نفسه وتركها، لذلك رجع أولاً إلى نفسه لكـى يرجـع إلـى حالته الأولى التى سقط فيها.

+ إذ سقط عن نفسه سقط عن أبيه، إذ سقط عن نفسه أنطلق إلى الأمور الخارجية. الآن يعود إلى نفسه فيعود إلى أبيه.. حيـث تكون نفسه فى آمان وسلام.

• قال القديس انبا أنطونيوس إلى القديس انبا بيمن:

هذا هو العمل العظيم.. أن يحمل الإنسان خطيئته ويضعها أمام الله منتظراً حتى نسمته الأخيرة.

 

وقال أيضاً: إذا سلمت النفس ذاتها للرب بكل قوتـها، يطـهر الله الصالح لها، الأوجاع والعيوب واحدة فواحدة لكى تحيد عنها.

وعن رجوع الإبن الضال لأبيه.. قال القديس يوحنا ذهبـى الفـم: لنعمل أيضا حتى وإن كان خارج الحدود.. لنرتفع إلـى بيـت أبينـا ولا نتوانى خلال الرحلة. إن أردنا فسيكون رجوعنا سـريعاً وسـهلاً جداً.. فقط علينا أن نترك الكورة الغريبة، التى هى الخطية، لنتركـها حتى نرجع سريعا إلى بيت أبينا.

قد يقول قائل “كيف أرجع؟” .. فقط ابتدئ بالعمل فيتحقق كل شئ.

• قال القديس بينوفيوس: “لكى يقضى الإنسان على أية خطية يجب عليه أن يتخلصن أولاً من كل الأسباب المؤديـة إليـها.. وبهذه الطريقة نستطيع أن نتخلص من خطايانا”.

وعن عبارة “أخطأت يا أبتاه إلى السماء وقدامك”.. قـال القديـس أوغسطينوس مخاطباًَ الله: “على مذبح اعترافك أضـع قلبـى تقدمـة وذبيحة تسبيح، فأشعله بلهيب حبك ولا تبق لى فيـها شـيئاً يذكرنـى بنفسى.. بل أشعلنى بكليتى وذوبنى فيك فأحبك بكل ما فىّ”.

خامساً: موقف الأب:

“وإذ كان لم يزل بعيدا رأه أبوه فتحنن وركض ووقـع على عنقه وقبله فقال له الإبن يا أبى اخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك إبنا. فقال الأب لعبيده اخرجوا الحلة الأولى وألبسوه

 

وأجعلوا خاتما فى يده وحذاء فى رجليـه. وقدموا العجـل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح. لأن إبنى هذا كان ميتا فعاش و كان ضالاً فوجد فابتدأوا يفرحون” (لو 15: 20-24).

1- قال القديس أوغسطينوس:

+ إذ يركـض يقع على عنقه.. لأن الأب لا يـترك إبنـه الوحيـد الجنس الذى يجرى دوماً نحونا، نحن الذين ضللنـا طويـلاً.. “الله كان فى المسيح مصالحا العالم لنفسه” (2كو 5: 19).. إنـه يقع على عنقـه.. ينحنـى ليحتضنـه بذراعـه- أى بـالرب يسوع المسيح.

+ إذ يتعزى التائب بكلمة نعمة الله الواهبة رجـاء غفران الخطايا- هذا يتحقق بقبلة الحب النابعة عن الآب عند الرجوح إليه بعـد رحلة طويلة.

2- قال القديس يوحنا ذهبي الفم ما يشبه كلام القديس أوغسطينوس :

+ ماذا يعنى “ركض” .. إلا أنه بسبب عائق خطايانا لا نستطع نحن أن نصل إلى الله خلال فضيلتنا، لكن الله نفسه قـادر أن يـاتـى للضعيف.. لذا يقع على عنقه.

+ يقبل الفم.. أى يتقبل الأب بفرح ذاك الذى يعترف بفمه نادمـاً من قلبه.

 

3- قال القديس يوحنا كليماكوس (الدرجى):

+ لن نخرج يوماً من حفرة الآثام التى سقطنا فيـها إلا إذا انحدرنـا إلى لجة إتضاع التائبين.

+ إذا كان ضميرنا ينخسنا بسبب مخازينـا فلنثـابر علـى ذكـر خطايانا بتوجـع إلى أن يرى الرب خيرنا فيمحوها.

4- وعن قبول الأب لإبنه.. قال القديس أوغسطينوس :

+ يمحو الله جميع أثامى متى تبت إليه.

+ ويقول أيضاً: ربى يسوع حرر نفسى من متاعب هـذا العـالم وضيقاته.

• وعن السلام الذى صار للإبن بعد رجوعه.. قال الأب بينوفيوس:

+ علامة التوبة الصحيحة إنها فى وسط الحزن والندامـة علـى الخطية، تحمل فى النفس سلاماً داخليا.

+ وقال أيضاً: التوبة التى بلا سلام داخلى تحمل يأسـاً وقنوطـا ينزع عن النفس رجاءها.

6-وقال البابا شنوده الثالث:

(إن كنت تيأس من نفسك فلا تيأس أبداً من نعمـة الله.. إن كـان عملك لايوصلك إلي التوبة فإن عمل الله من أجلك يمكن أن يوصلك)

وعن تشجيع للتوبة يقول أيضاً: “أذكر أنك هيكل الـروح القـدس، ولا تحزن روح الله الذي فيك، وكن باستمرار هيكلاً مقدساً”.

 

 

 

Share

Permanent link to this article: https://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%84%d8%ab/