القديس غريغوريوس النـزينـزي
(اللاهوتي)
– حياته:
تنتمي عائلة غريغوريوس إلى العائـلات الملاّكة الكبيرة والغنية وكانت تسـكن في بلدة تسـمّى “ارياندوس – Ariandos” بالقرب من البلدة الصغيرة نزينـز . والدته (نونـا) كانت مسيحية، أما والده غريغوريوس، حاكم المدينة الأول ، فكان ينتمي في بدء حياته إلى فـرقة تسمى” يبسيستريون – Uyistarion”وهذه الفرقة كانت تمزج العناصر اليهودية والوثنية، إلا أن الزوجة جذبت الزوج إلى المسيحية فاعتمد ولعله اخذ أيضاً اسم غريغوريوس في المعمودية وسقّف فيما بعد على نزينـز، وإلى غريغوريوس أنجب الزوجان الفاضلان بنتاً وصبياً وكلاهما قديس : غورغونيا (يعيّد لها في 23 شباط) و قيصر ( يعيّد له في 25 شباط). هناك اختلاف في تحديد سنة ولادة غريغوريوس الإبن لكن العلماء يرجحون انه وُلد في الوقت الذي كان فيه أبوه اسقفاً ولذلك قد تكون ولادته عام 328م.
أحب غريغوريوس منذ صباه العلم وتلقى علومه الأولى على يد أقربائه المتعلمين ثم انتقل إلى قيصرية كبادوكية حيث تولى تنشئته كارتيريوس الناسك، الذي ترأس فيما بعد أديرة إنطاكية ، ومن ثم إلى قيصرية فلسطين وكان دائماً يدرس مع أخيه قيصر الذي اصبح طبيباً. ثم ذهب إلى الإسكندرية وتعرّف إلى القديس اثناسيوس وانطونيوس ولعله سمع محاضرات ديدموس الأعمى وفي الإسكندرية ترك أخاه قيصر وانطلق إلى أثينا وفي البحر ثارت عاصفة هوجاء وهددت حياة الركاب فقرّرفي ذاته أن ينفِّذ الوعد بأن يدخل في سلك الكهنوت مقدماً ذاته هبة لصانع الأرض والبحر. ولما وصل إلى أثينا التقى من جديد بصاحبه باسيليوس ومع أنهما لم يتلقيا المعمودية في ذلك الوقت فإنهما انصرفا إلى الحياة الروحية والحياة العلمية وما عرفا إلا طريقَين ،واحدة تقود إلى الكنيسة وواحدة إلى الجامعة وهناك ألّفا أول رابطة طلابية مسيحية في العالم. يصف غريغوريوس علاقته بباسيليوس فيقول شعراً: “فكل الأشياء مشتركة والنفس واحدة تنقصها (لا يفصلها إلا) بُعد الأجساد للإثنين” في أثينا تابع دراسة الخطابة والفيلولوجيا ،ولمهارته في هاتين المادتين أُختير ليكون أستاذاً فيما بعد في أثينا ، مما لم يسمح له بأن يغادر مع باسيليوس كما اتفقا وهما على مقاعد الدراسة. وقبل أن ينهي سنتين من التعليم أحسّ بالحنين إلى الوطن فترك عائداً إلى وطنه وهذا يعتبر الهروب الأول في سلسلة الهروب الذي مارسه.
وعند وصوله إلى نزينـز بدأ عمله هناك أيضاً كأستاذ للخطابة .ولكن ضجّة الحياة في هذه المدينة لم تناسب شخصيته المُحبَّة للهدوء والسكينة. ففضّل العيش بعيداً عن العالم وهذا كان هروبه الثاني. فتنازعت في داخله أمور عديدة ، لكن الميل الأكبر كان للتوحّد أكثر من الخدمة في المجتمع أو في كنيسة العالم. حاول كلٌ من غريغوريوس وباسيليوس أن يجذب الآخر إلى مملكته وأرضه، فوافق في بادئ الأمر باسيليوس على البقاء مع غريغوريوس لكن في النهاية جذب باسيليوس صديقه إلى ممتلكه الخاص قرب نهر ايريس في البنط، وهناك درسا اللاهوت معاً على أساس مؤلفات أوريجنس فوضعا الفيلوكاليا والقوانين الرهبانية، لكنهما اختلفا في نقاط معينة، فباسيليوس كان
مؤيداً للعمل وغريغوريوس للنظر.فترك غريغوريوس البنط عائداً إلى وطنه. عند عودته وجد أن أباه وبسبب شيخوخته ، واهتدائه المتأخر إلى المسيحية، وقّع دستوراً نصف آريوسياً عن جهل ، فقرر الإبن أن يساعد أبيه ، فأقنعه أن يوقّع دستوراً آخر أرثوذكسياً. الأب لم يرضى بعد هذا الحدث أن يكون أبنه مجرّد مساعد بل أراده كاهناً لله العليّ فرسمه في أواخر سنة 361م. لكنه أيضاً هرب ولجأ إلى رفيق الدرب وهناك دوَّن كتابه الشهير “في الهرب”. وبقي عنده بضعة أشهر (لعيد الفصح)، بعدها أقنعه باسيليوس بالعودة، فعاد لتقع مسؤولية العمل في نزينـز عليه.
يتبع….