بيان يوم الإثنين من البصخة المقدسة

خرج يسوع من بيت عنيا الواقعة على سفح جبل الزيتون الشرقى التى اشتهرت بإنها وطن لعازر وأختيه مريم ومرثا وهى على بعد خمس عشرة غلوة أى نحو ثلاثة أرباع الساعة من أورشليم(1) قاصداً الهيكل لأنه كما قلنا فى غيرهذا الموضع كان يصرف فى هذا الاسبوع نهاره في الهيكل وفى المساء كان يرجع الى بيت عنيا ليبيت هناك حسب قول لوقا البشير(وكان فى النهار يعلم فى الهيكل وفى الليل يخرج ويبيت فى الجبل الذى يدعى جبل الزيتون وكان كل الشعب يبكرون اليه فى الهيكل ليسمعوه)(2) فبينما هو مار من بيت عنيا إلى الهيكل صباح يوم الاثنين لعن شجرة التين الغير المثمرة كما ورد في انجيلى متى ومرقس(3) والسبب الذى لاجله لعن المسيح تلك الشجرة هو انها كانت مورقة والعادة أن يظهر الثمر مع الورق وينضج أحياناً بعض الثمر قبل غيره بأيام ليست بقليلة وهو المعروف عند بعض العامة بالديفور. وجاء في مرقس انه لم يكن وقت نضج التين وإذ لم يكن وقت التين كان يقتضى أن لا يكون فيها ورق فوجود الورق قبل حينه فى تلك التينة كان كدعوي على انها مثمرة قبل أوان الاثمار ولم يوجد فيها شىء من الثمر الفج ولا من الثمر الناضج ولا أمارة على انها ستثمر. فتلك الشجرة الكثيرة الورق الخالية من الثمر المبكر والمتأخر. كانت تمثل حالة الامة اليهودية: التى ادعت انها الامة المنفردة بالقداسة على الأرض لانه كان لها الشريعة والهيكل والرسوم والشعائر الدينية من الاصوام والاعياد والذبائح الصباحية والمسائية. ومع ذلك فانها خلت من الايمان والمحبة والقداسة والتواضع والاستعداد لقبول السيد المسيح وإطاعة أوامره. فافتخرت بكونها شعب الله الخاص ورفضت ابنه الذى أرسله

حسب نبوات الانبياء. فباعمالهم هذه كانوا يتكلمون بغيرما يبطنون ولذلك أعطاهم المخلص له المجد الويل قائلاً(الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تشبهون قبوراً مبيضة تظهر من خارج جميلة وهى من داخل مملؤة عظام اموات وكل نجاسة. هكذا انتم أيضاً من خارج تظهرون للناس أبراراً ولكنكم من داخل مشحونون رياء واثماً)(4) وقال الرسول لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها(5)ومالنا واليهود ونحن نتظاهر بالتقوي والقداسة والعفة والقناعة والمحبة والوداعة واللطف والاحسان والاستقامة وحفظ وصايا الله ولم نعمل ولا بواحدة منها. أليس هذا هو كذب ورياء ونفاق وغرور بالنفس وتضليل بالاذهان (والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار)(6)

فالسيد المسيح لعن التينة ليس لانها بلا ثمر بل لكثرة أوراقها كأنها ادعت الاثمار كذبا ً. هكذا يعامل الله الانسان الغير المثمر ويبكته بما جاء فى رسالة يهوذا قائلاً:(غبوم بلا ماء تحملها الرياح أشجار خريفية بلا ثمر ميتة مضاعفاً مقتلعة. أمواج بحر هائجة مزبدة بخزيهم. نجوم تائهة محفوظة لها قتام الظلام إلى الابد) (7)ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون فى الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام. ولم يدع أحداً يجتاز الهيكل بمتاع)(8). وقد رتب مرقس حوادث كل يوم من الاسبوع الاخير بحسب ترتيب وقوعها. فيذكر فى بشارته أن المسيح فى أول يوم من دخوله أورشليم (دخل الهيكل ونظر حوله إلى كل شىء. وإذ كان الوقت قد أمسى خرج إلى بيت عنيا)(9)هذا من حوادث يوم الاثنين. وأتى من بيت عنيا إلى أورشليم صباحاً وفى أثناء سيره حدث ما كان من أمر التينة.

وقد وبخ الله اليهود قديماً فى زمان أرميا النبى على تدنيسهم بيته بالعبادة الوثنية بهذه العبارة(ها انكم متكلون على كلام الكذب الذى لا ينفع. أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى تعرفوها ثم تأتون وتقفون أمامى فى هذا البيت الذى دعى باسمي عليه وتقولون قد أنقذنا. حتى تعملوا كل هذه الرجاسات هل صار هذا البيت الذي دعى باسمي عليه مغارة لصوص فى أعينكم. هأنذا أيضاً قد رأيت يقول الرب)(10)

وقد ظهر للسيد المسيح له المجد أن صراخ الباعة والشراة وأصوات البهائم ورعاتها فى الهيكل تليق بمغارة لصوص يقسمون فيها المسروقات بالخصام. لا ببيت ابيه ومقدسه الموقر. فكأنه يقول لهم دنستم بيتى بتجارتكم

المحرمة وذلك لانكم سلبتم الله حقه بجعلكم المعبد الالهى سوقاً للكسب البشرى وأضعتم على العباد الفرصة التي اغتنموها ليرفعوا قلوبهم إلى الله بالصلاة في مقدسة المعين لها. وسلبتم الغرباء أموالهم. وتغاليتم في بيع مواد التقدمة وصرف النقود.

وقد مضى السيد له المجد طيلة هذا النهار فى الهيكل يطرد المدنسين له حتى انه لم يدع أحداً يجتاز الهيكل بمتاع(11) وشغله بالتعليم وعمل المعجزات. وكان رؤساء الكهنة وحراس الهيكل فى ذلك الوقت ينظرون اليه بالغيظ ويتآمرون على قتله غير قادرين أن يتمموا ما تكنه صدورهم له من الشر.


1 يو 11 :18

2 لو 21 : 37 و 38

3 متي 21 : 18 و 19 ومر 11 : 12 - 20

4 مت 23 : 27 و 28

5 2 تي 3 : 5

6 مت 3 : 10

7 يه 1 : 12 و 13

8 مر 11 : 15 و16

9 مر 11:11 - 14

10 ار

11مر 11: 16