محبة الله ا لآ ب للقديس مار يعقوب السروجى

من تأملات الآباء

محبة الله ا لآ ب

للقديس مار يعقوب السروجى

عمانوئيل:

حرك أصواتي ياابن الله على تمجيدك… أنا القيثار ذو العشرة أوتار، فأقرع فيَّ لأرتل من أجلك بصوت مرتفع … لان الوتر لايستطيع أن يعطى صوتاً إن لم ينقرع … ولا الفم أن يتكلم بغير موهبتك… فالذى يضرب القيثار يستطيع بأصبعه أن يوقظ فيه صوتا بمهارة.

لست محتاجاً أن تمجد من الأرضيين، بل ليتعظم الجنس المحتاج لك أيها الغنى…

أرسلت من الآب لكى ترفع من شأن البشر وتقيمهم من الحضيض … بمراحم الآب إخذت جسداً، وإختلطت بالبشر، حتى تنقذهم من الهلاك الأبدى. صرت منا، وها أنت معنا وبجوارنا… لذلك سميت عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا.

بالنبوة سميت عمانوئيل وضعه إشعياء النبي في القديم… إسماً موافقا وضعه إشعياء النبي لإبن الله، لأنه نظر إبن الله صائرا ابن بشر آتيا ليختلط بنا… بعين الروح نظر الأسرار فكتب لكل الأجيال… نظره أنه الله… ونظر أنه أتى ليكون معنا… وما هو معنا، وهو إلهنا، وهو عندنا…

روح النبوة جاءت من الآب ليكتب، فالنبى لم يعرف كيف يدعوه بهذا لإسم، فهو في حضن الآب منذ الأزل، ولكنه علم النبى أن يدعوه بهذا الاسم، النبوة جذبت الإسرار الإلهية، ولم يقدر أحد أن يحل إسم ابن الله ويجسر أن يقول لقبه إلا بأذن من الآب!!

نظره العالم بالدهشة العظيمة لما تنازل إلى الأرض… تنازل في المذود والاقماط والإحتياج الشديد… حيث حملته الأم الصبية كالطفل، ورضع منها كالاولاد… تربى ليأخذ حدود ارتفاع آدم حيث جاع وتعب ونام … حيث تعب وتنازل للنقائص…

إحتمل العار من اليهود ولم يهتم… وأنظلم من حاملوا الشكوك المعلمون والدارسون. لم يعرف اليهود أنه عمانوئيل وحقروه بين الآلهة . . . أيها اليهود … إن كان هو إنسانا كحسب كلمتكم، لماذا دعاه إشعياء ” عمانوئيل ” …؟!

 

أيها اليهودي أعط الإبن اسمه الذى له، لأنه الله كما بشر به في النبوة. أما أنا فأحببته كما عرفته، ولا أفتخر إلا به … كرامتى العظيمة هى عاره وموته، لان بإرادته تحمل الهوان لما خلصنى…

 

ها ترفع العروس صوتها وتصرخ في الجموع أن ليس لى إفتخار إلا بعمانوئيل الذى أتى وخطبنى.. أتى لبيتنا ليخطبنى كمسكينة؛ فأحببته لأنه عمانوئيل “…

يغضب آبائى من أجله لأنى أحببته من كل قلبى … خرجوا علىّ بالسيف والنار ولم يرعبونى … أحبه كما أحبنى واحتمل الاستهزاء والهوان من اجلى..

أيها المتكلمون الذين اقتنوا الكلمة من النعمة، إحفظوا التكريم للابن الكلمة الغير المنطوق به…

أيها المترجم إحفظ لسانك من اللهيب لئلا يحرقك، بالبساطة والإيمان والإتضاع تكلم خبره إذا شئت… لان هناك يجلس عمانوئيل عند أبيه… نهر النار يسير ويخرج من الأزلية…

كيف تجوز وتفتش هناك في السماء… كيف تخترق ألوف ألوف السمائيين وتبحث عن الإبن … ربوات ربوات قوات يخدمونه من بعيد ولا يجرأون أن يتقدموا… الساروفيم يغطون وجوههم عندما يقدمون له التقديس، وبالرعدة يسترون أرجلهم باجنحتهم أمام العظمة الإلهية!!

وهل تستطيع أن تتقدم إلى هناك لتفتش أم لتقدس؟! الكاروبيم حاملوا المركبة الملتهبة بالنار يخشون الصوت الإلهي ولا يستطيعون أن ينظروا إبن الله بالحقيقة… ولا يستطيع أحد أن يفحص الابن إلا الآب… لا ملاك ولا رئيس ملائكة… لا ميخائيل ولا غبريال يستطيع أن يفتش عنه.

الآب وحده هو الذى يستطيع أن يعرفنا بالإبن الوحيد الكائن في حضن الآب منذ الأزل …

أعطى الله وحيده عوض الخطاة… أعطاه لخلاص العالم…

خلص السبية من الظالمين، وأتى بالمخلصين للمكان الهادئ من القوات.

جاء لكى يدوس الحية العظيمة التى غشت أمنا حواء، وفتح الطريق التى كانت مسدودة من الثعبان …

طرد الكاروبيم الذى كان حافظا لشجرة الحياة، ليدخل الورثة الذين خرجوا منه.

فتح الفردوس الذى مغلقاً أمام الداخلين، ورد المطرودين لميراثهم وحدودهم…

عمانوئيل الذى صار معنا لما تجسد، زرع السلام في أرض المائتين، بعد أن أهلكته الحية…

أخذ من آدم ثوب الورق المفتوح، وأعطاه عوضه لباس المجد الذى تعراه…

افرحوا لأن عمانوئيل ها هو معنا، ونحن معه لنحيا به إلى الابد.

الله (الكلمة):-

إبن الله هو ” الكلمة ” الغير المنطوقة، أتى إلى العالم، حيث لم تحبسه الأماكن.

خرج الكلمة من الآب وأتى وحَل في الصبية… وكان في الصبية وفي نفس الوقت كان في أبيه… فلم ينقسم عن أبيه، بل هو في حضن الآب منذ الأزل.

قبلت العروس الرسالة المكتوبة، وحل هناك كالمحدود وهو غير محدود !؟ الكلمة الذى أتى وصار جسداً – داخل الرسالة – أعطى نفسه ونظرته العيون ومسكته الأيادى…

ابن البتول صار كمثل الكلمة داخل الرسالة، وتجسم فيها كمثل الكلمة بالكتابة !!

ذاك الخفي مع والده أظهر نفسه للعالم لينظروه ويتفرسوا فيه ويمسكوه بالأيادى، لأنه تجسم من إبنة داود.

من يستطيع أن يفحصك أيها الغير المحوى، أتيت من مكان إلى مكان آخر ظاهراً، وأنت في الموضعين لم تتركهما… بالفعل ممتلئ منك المكان الذى أرسلك ويحبك، وخبرك ظاهر في المكان الذى قبلك ويكرمك…

جعلت لك جسما لتظهر به في كل الأرض، ولم تترك مكانك الاصلي في السماء!! أتى للنظر “الكلمة” المخفي من الناظرين، وكل من نظر وقرأه يعرف أنه الله.

قام ابن الرعد وأظهر أنه ” الكلمة” للأرض كلها، وأظهر أن “الكلمة”. لم تمسك ولم تنظر ولم تنجس ولم تنحبس في الاماكن…

من أجل هذا كتب يوحنا في إنجيله أنه “الكلمة ” وأنه ابن الله …

مرتفعة هى الكلمة من المصورين الذى يصورونها، وأيضاً مرتفع أيضاً نطقها من الحكماء ومن المفسرين…

من أجل الكلمة بالحب يكلم المتكلم، لأنه حس بالحب أن يتكلم بغير جدال…

الكلمة خفية وتأتى للظهور بالكتابة، وكل أحد ينظرها ويمسكها ويقرأها… هكذا ابن الله بازليته مخفي من الناظرين، وعندما تجسد نظروه وجها لوجه، هو مخفي وظاهر… متضع ومخوف وممتلئ دهشاً…

هو ظاهر للممجدين كمثل النور، ومن الفاحصين مبتعد ومختفي كمثل القوى. أين أنت أيها ” الكلمة” إبن الله الازلى غير المدرك… أنت روحانى وجسدانى … مرتفع ومتنازل. مخفي وظاهر بغير فحص صرت جسداً وروحانيتك فيك ثابتة… صرت ابن البشر وألهيتك لم تنحل.

صرت جسداً وأنت الكلمة ويسجد لك الكل… أنت في ابيك وفي نفس الوقت معنا وعندنا … ميلاداً روحياً يلدك الآب وليس نطقاً ينطقك الآب… لست تنطق لأنك الكلمة ابن الأزلية … ناطق أنت ولست منطوق … أنك لست صوتا بل كلمة متكلمة بجميع اللاهوت، أنت هو الكلمة الذى خلق كل الاشيا وقد قلت ليكن نور… ليكن الرفيع في بسط المياه..

كل ماشاء الآب يتكلم بك يتكلم… ” أنت الكلمة مع الآب ومنك تخرج الأصوات على الخليقة…

بك تكلم جميع الانبياء، بل جميع الكلام الذى لكل الاصوات والالفاظ والاستعلانات منك تخرج …

بك تتحرك المركبة على البركات، لان بغير الكلمة ليس ثم امكان للكلام… مثلك يتحرك لسان السارافيم ويحرك التقديس بصوت الاجنحة لمخافتك. ومنك تتحرك القوات السمائية القائمة الخادمة لك.

محبة الله للعالم:

عندما عم مرض الإثم على البشرية، أرسل الله ” كلمته” ليشفيهم ويخلصهم من الفساد.

الكلمة الممتلىء حياة وضع نفسه على داء البشر… حل في البتولية ليتجسد فيها ويضمد الداء الخطير.

إستعلن “الكلمة” وفرح لأنه كان مخفيا، وأتى بالجسد ليشفي به العالم. هوذا حمل اثم العالم وقام كالجبار، لأنه شاء أن يكون معنا وأن يشفي أمراضنا ويحمل أوجاعنا…

خبره مخوف وفحصه مرتفع وقوله مبتعد من السامعين… اظهر نفسه للعالم أنه الله وفعل طريقه وثبت في الذى له بغير تغيير، أتى للميلاد، ولما خرج لم يحل البتولية.

لك أن تدهش بالرسالة – أى البتول مريم – لان الكلمة خرج منها للظهور وهى مختومة. لم تنحل الرسالة عند ما قرأت من الأرضيين، لان الكلمة خرج منها، وثبت ختم البتولية. صارت مريم أما بعد ولادتها وبتوليتها ثابتة..

هذا الكلمة من أجل أنه شاء، وأتى بالجسد بطريقة عجيبة، أدهشت جميع الناس. أتى “الكلمة ” للعالم بالجسد ليسير فيه وطريقه مرتفع من جميع المعارف والعقول. ولأجل كل الناس أتى إلى الأرض وحمل الإثم وشفي جميع المضروبين وشفي جراحات الطالبين.

مبارك هو المخفي الذى أتى للظهور بغير فحص،له المجد الدائم إلى الابد.

 

Share

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d9%85%d8%ad%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7-%d9%84%d8%a2-%d8%a8-%d9%84%d9%84%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%b3-%d9%85%d8%a7%d8%b1-%d9%8a%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b1%d9%88%d8%ac/