القديس لوقا

هو ثالث الإنجيليين، وكاتب سفر أعمال الرسل، ورفيق القديس بولس فى أسفاره وكرازته واتعابه… إن التاريخ لا يمدنا بمعلومات عن حياته السابقة قبيل تعرفه على بولس الرسول… ويبدو أن التقليد القديم الذى يقول إنه كان من السبعين (59) رسولاً، وأنه أحد تلميذى عمواس اللذين إلتقى بهما الرب عشية قيامته، أمر مشكوك فيه، والأرجح أنه كان أنطاكياً أممياً (60) وليس (59): (60) يهودياً. فهو باعترافه لم يعاين الرب يسوع بالجسد، وأنه إعتمد فى كتابة انجيله على ما تسلمه ممن سبقوه، وعلى ما كان مكتوباً وشائعاً ( لو1: 1، 2). أما كونه أممياً- فبالإضافة إلى التقليد الكنسى القديم- نرى أن بولس فى رسالته إلى الكولوسيين يقول ” يسلم عليكم أرسترخس المأسور معى ومرقس ابن أخت برنابا… ويسوع المدعو يسطس الذين هم من الختان… يسلم عليكم ابفراس… يسلم عليكم لوقا الطبيب الحبيب وديماس ” (كو 4:.10-14) … وهنا نلاحظ أنه يذكر بعض أسماء فى الأول ويقول عنهم إنهم من الختان أى اليهود، أما الباقون- ومنهم لوقا- فمن الأمم. وهناك رأى آخر يجعل من لوقا أممياً إهتدى إلى اليهودية… ولعل مصدر هذا الرأى هو الخلط بين اسم لوقا واسم لوكيوس الوارد فى (أع 13: 1)، وكلاهما يرجع إلى أصل لغوى واحد… والأرجح أن لوقا كان أممياً واهتدى الى الإيمان المسيحى على يد أحد التلاميذ الذين نزحوا من أورشليم وقصدوا أنطاكية فى وقت مبكر حوالى سنة 36 عقب التشتت الذى حدث بعد مقتل استفانوس… وان كان البعض يرجحون أنه آمن بالمسيح على يد بولس، وهذا هو رأى ترتليانوس من القرن الثانى (61) .

ومهما يكن من أمر، فالثابت من روإية سفر الأعمال، أنه إلتقى بالقديس بولس أثناء رحلته التبشيرية الثانية فى مدينة ترواس عقب الرؤيا التى رأى فيها بولس رجلاً مكدونياً يقول ” أعبر إلى مكدونيا وأعنا” (أع 16: 9) ويبدو أنه رافق بولس إلى فيلبى لأنه فى سفر الأعمال يتكلم بعد ذلك مباشرة بصيغة المتكلم الجمع بعد أن كان يتكلم بصيغة الغائب الجمع (62) … وفى أواخر رحلة بولس التبشيرية الثالثة يلتقيان ثانية معاً فى فيلبى… ويبدو أن لوقا – بعد لقائه الأول مع بولس فى فيلبى سنة 51- بقى فيها ليرعى الكنيسة الناشئة هناك. والدليل على ذلك أنه يستخدم ضمير المثنى الغائب بدلاً من ضمير المتكلم الجمع (انظرأع 17: 1). وبعد سبع سنين أخرى (سنة 58) إلتقى بالرسول بولس مرة أخرى حين مر بفيلبى فى طريقه إلى أورشليم أثناء رحلته الأخيرة إليها، بعد أن أمضى أسبوعاً فى ترواس ( أع 20: 5، 6)، لاننا نلاحظ أن لوقا يعود إلى إستخدام ضمير المتكلم الجمع… و يبدو أن لوقا كان مرافقاً لبولس فى أورشليم، أو فى القليل قريباً منه، وكذا لمدة سنتى الأسر فى قيصرية. كما رافقه فى رحلته الأخيرة إلى روما حينما ذهب إليها مخفوراً، وبقى بالقرب منه هناك مدة الأسر الأول والثانى … وظل الخادم الأمين والصديق الوفى إلى النهاية …

أما عن بقية حياة لوقا فلا نعلم عنها شيئاً على وجه التحقيق. ولعل هذا دليلاً كبيراً على ما إتصف به هذا الرسول من إتضاع. لأنه على الرغم من أنه كتب الإنجيل الثالث، ووضع كتاب ” أعمال الرسل” وذكر ببعض الإسهاب ما حدث للرسول بولس فى حياته الرسولية، فإنه أغضى عن ذكر نفسه وسكت عن أعماله، حتى لقد ترك شيئاً من الشك يحوم حول شخصه والرسالة التى إضطلع بها… إن أخر إشارة إلى لوقا، وصلتنا فى كلمات بولس (63) ، وفى أخر رسالة له كتبها من سجنه الأخير فى روما، قبيل إستشهاده ” لوقا وحده معى” (2 تى 4: 11) … وتذكر بعض التقاليد القديمة أنه عمر حتى سن الرابعة والثمانين، وأنه مات مصلوباً على شجرة زيتون فى إيليا Elaea فى بلاد اليؤنان (64) . ويذكر جيروم (65) أن ذخائره- مع ذخائر إندراوس الرسول- نقلت من بترا patra فى أخائية إلى كنيسة الرسل فى القسطنطينية.

خلف لنا لوقا الإنجيل الذى يحمل اسمه، الذى اعتمد فى كتابته على وثائق ثابتة مكتوبة وعلى ما إستقاه من التقليد الشفوى الثابت… ويأتى فى مقدمتها ما سمعه من البتول القديسة مريم، ويؤيد هذا تقليد كنسى قديم… ولا يعرف عل وجه الدقة الوقت الذى كتب فيه لوقا إنجيله، لكنه على أية الحالات كتب قبل سنة 70 م، كما إختلف أيضاً فى مكان كتابته… وقد بعث لوقا بإنجيله وسفر الأعمال إلى شخص شريف يدعى ” ثاوفيلس” – وهناك إجماع بين العلماء أن هذا الشريف كان بالإسكندرية. أما عن سفر الأعمال، فقد دون لوقا فيه أول تاريخ للكنيسة، إبتداًء من صعود الرب إلى نهاية السنة الثانية من أسر بولس الأول بروما… وقد دون الحوادث بكل دقة، حتى أن العالم المؤرخ شاف يدعوه [ الأب الحقيقى لتاريخ الكنيسة المسيحية] (66) .

كان لوقا- قبل إيمانه بالمسيح- يمتهن مهنة الطب- هكذا يذكره القديس بولس إلى الكولوسيين “لوقا الطبيب ” (كو 4: 14)، لذا لا نعجب إن رأيناه فى الإنجيل الذى كتبه يظهر الرب يسوع كطبيب للبشرية ومخلص للعالم… كما جاء فى التقاليد الكنسية القديمة، إنه كان فناناً (67) وإليه ينسب رسم أول صورة للسيدة العذراء مريم.

وثمة أمر نود الإشارة إليه، وهو أن لوقا كتب إنجيله بإرشاد الروح القدس شأن باقى الإنجيليين، ولم يمل القديس بولس عليه شيئاً: ولا صحة مطلقاً للرأى الذى ارتآه العلامة أوريجينوس والمؤرخ يوسابيوس والقديس جيروم، من أن بولس حينما ذكر فى رسائله كلمة ” إنجيلى” (68) ، كان يعنى إنجيل لوقا، على إعتبار أنه أملاه على لوقا … فكلمة إنجيل فى العهد الجديد، لا تستخدم بمعنى سفر مكتوب، بل يقصد بها مبادىء المسيحية التى كرز بها الكارزون…

(59) هذا هو رأى أبيفانيوس فى القرن الرابع- انظر

(6 0) هكذا شهد يوسابيوس فى تاريخه ( H.E.3.4.7 )، وهكذا كل التقاليد القديمة… ويؤكد ذلك ملاحظتنا لما يأتى: يعطينا لوقا معلومات أكثر من غيره عن كنيسة أنطاكية (أع11: 19-30؛ 13:. 1- 3؛ 15: 1- 3؛ 22- 35) ويرجع أساس تسمية ” مسيحى ” إلى أنطاكية (أع 11: 19)، وحينما ذكر السبعة شمامسة ذكر نيقولاوس أنه أنطاكى (أع 6: 5) دون أن يذكر جنسية أى شماس آخر.

(61) 151 Smith,Dictionary of the Bible , vol 2 .p .

(62) قارن بين أع 16: 6- 8 ؛ أع 16 : 10 وما بعدها.

(63) ذكر بولس الرسول القديس لوقا فى رسائله ثلاث مرات بكل تقدير (كو 4: 4 1؛2 تى 4: 11؛ فل 24).

(64) . Schaff,vol.1p.652

(65) Lives of liiutious man,7

(66) schaff.vol .1.p.654

(67) Smith,Dictionary of the Bible , vol 2 .p151

(68) انظر: رو 2: 16؟ 16: 25؛ 2 تى 2: 8. 457

Share

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%b3-%d9%84%d9%88%d9%82%d8%a7/