إشعياء النبى

ولد إشعياء عام 760 ق. م فى أورشليم ومعنى اسمه يدل على نبوته وهو يعنى “الله يخلص؛. لأنه إن كان الله سيسمح بالسبى لشعبه لكثرة خطاياهم، لكنه يخلصهم ويعيدهم من السبي. وكان اسم إشعياء يتسمى به الكثيرون من شعب الله في هذا الوقت.

كان أبوه يسمى أموص (2أخ 26: 22) ويقول التقليد اليهودي أنه كان أيضاً نبياً، ويضيف بأنه كان أخو أمصيا ملك يهوذا، وبهذا يكون الملك أمصيا عم إشعياء، وهذا معناه أن إشعياء كان من حقه دخول القصر الملكى والاختلاط بالموجودين فيه، وبالتالي معرفة أسرار القصر، فتكلم فى نبوته عن الأخطاء الموجودة به ودعا الكل للتوبة؟ ليرحمهم الله.
أثناء طفولة إشعياء كان على عرش مملكة يهوذا الملك عزيا ولكنه أصيب بمرض البرص؛ نتيجة تجاسره ودخوله إلى القدس، الذى لا يجوز دخول أحد إليه إلا الكهنة، فعزل فى بيت المرض، وكان يقوم بقيادة أعمال المملكة أبنه يوثام (2 أي 26: 19- 21). وانتشرت في هذه الفترة عبادة الأوثان بين شعب الله ولم يُرجعهم يوثام عنها.
كذلك فى هذا الوقت عاش الأغنياء في ترف شديد ورأى إشعياء مركباتهم الفاخرة تجري فى شوارع أورشليم ونسائهم المدللات بالملابس العظيمة، بل رأى أيضاً الولائم الكبيرة في القصر الملكى. وفى نفس الوقت رأى الفقراء يعانون من الجوع والعوز، بالإضافة إلى ممارسة أنواع النجاسات المختلفة المرتبطة بعادة الأوثان فى أورشليم، فكان وهو فتى يتأذى قلبه من كل ذلك.
عندما صار شاباً سمع بالدول القوية وقتذاك- وهى مصر وأشور- وميل الشعب للتخلف معها وليس الاتكال على الله، فكان يتضايق جداً. والى جانب ذلك حزن لابتعاد مملكة إسرائيل، أي الأسباط العشرة عن الله، بل محاولتهم التحالف مع الأمم ضد مملكته، أي مملكة يهوذا، فكان يتعجب ويقول كيف يتحارب الأخوة اليهود؟؛ بل كان قلبه حزيناً جداً، لانشغال الناس عن عبادة الله فى هيكله وتفاخر الأغنياء بكثرة الذبائح التى يقدمونها وتمجيد الكهنة لهم.
وسط ظلام الفساد الذي انتشر في مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل، ظهرت أنوار شجعت إشعياء، فقد سمع وهو طفل عاموس النبى، الذي كان يتنبأ فى مملكة إسرائيل. وبعد ذلك عندما صار فتى سمع عن هوشع النبي فى مملكة إسرائيل أيضاً، ثم ظهر ميخا النبى في مملكة يهوذا وهذا ظل يتنبأ مع إشعياء. عندما بلغ إشعياء سن العشرين وكان ذلك عام 740 ق.م. وكان قلبه مملوءا حزنا على شعبه البعيد عن الله، أظهر الله حنانه عليه، فظهر له في رؤيا (إش 6: 1-8)، رأى فيها الله وهو جلس على عرشه وأذياله تملأ الهيكل وحوله ملائكة من رتبة السرافيم، يغطون وجوههم وأرجلهم بأجنحتهم، خشوعاً أمام الله، ويقولون قدوس قدوس قدوس. ثم أتى أحد السرافيم بجمرة من نار ومس بها شفتى إشعياء وطهره، وحينئذ نادى الله طالباً من يتقدم ليرسله؛ ليرجع شعبه إليه، فأعلن إشعياء فى الحال موافقته، إذ كان قلبه حارا فيه ومشتاقا لإرجاع شعبه إلى الله.
بدأ ينادي إشعياء شعبه فى مملكة يهوذا وكذلك فى مملكة إسرائيل؛ ليتوبوا ويرجعوا إلى الله. وبهذا بدأ إشعياء عمله النبوي، وكان ذلك فى سنة وفاة عزيا، ثم تملك يوثام وحده على عرش مملكة يهوذا.
تزوج إشعياء بامرأة دعاها النبية (إش 8: 3)، ليس لأنها تنبأت، بل لأنها تعاونه فى عمله النبوي وأنجب منها ابنين، دعى كل منهم باسم يعنى حدثاً مقبلاً، أي أن الله أوصاه أن يسمى ابنه الأكبر ” شار ياشوب ” (إش 7: 3)، ومعناه “البقية سترجع” ويظهر من ذلك حنان الله الذي يبشر شعبه قبل أن يسبى بأنه سيرجع من السبى. أما الابن الثانى فدعاه “مهير شلال حاش بز” (إش 8: 3) ومعناه “عجل النهب أسرع الغنيمة” ويعنى أن السبى مقبل على الشعب تأديباً له؛ ليتوب.
عندما بلغ إشعياء ستة وثلاثين عاماً من عمره مات يوثام وملك بعده ابنه أحاز على مملكة يهوذا (2 أي 27: 9). وكان أحاز شريراً، فترك عبادة الأوثان تنتشر فى مملكته. وخاف من تحالف ملك آرام مع ملك إسرائيل ضده، وبدلاً من أن يتمسك بالله، ذهب وتحلف مع ملك أشور (2 أي 28: 16)، فأرسل الله له إشعياء ليوبخه، خاصة وأنه كان قد صنع مذبحاً وثنياً داخل الهيكل، بدلاً من مذبح المحرقة الذي أوصى به الله. ودعاه إشعياء أن يطلب من الله ويتكل عليه، فرفض واستمر متحالفاً مع ملك أشور ضد أوامر الله. فقال له إشعياء إن الله قادر أن يصنع معجزات مع شعبه، إن اتكل عليه، وأخبره أيضاً بما سيحدث فى ملء الزمان بتجسد المسيح من عذراء، وهذه معجزة لا مثيل لها (إش 14:7).
بالإضافة إلى مناداة إشعياء شعبه فى مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل بالتوبة، نادى الأمم أيضاً أن ترجع إلى الله؛ لأن الله هو خلق كل البشر.
عندما بلغ إشعياء من العمر خمسين عاماً حدث أمر مؤسف جداً، وهو أن هجمت مملكة أشور على مملكة إسرائيل واستولت عليها على ثلاثة مراحل، وأخذت شعبها وفرقته بين شعوب الأمم (عام 722 ق.م)؛ لتلغي قوميتهم وأتت بشعوب الأمم وأسكنتهم مكانهم. وهكذا تحولت أرض إسرائيل إلى عبادة الأوثان، فغضب الله وهجمت السباع على الأمم الساكنة مكان مملكة إسرائيل، فخافوا جميعاً من إله إسرائيل (2 مل 17: 25).
بعد سبى مملكة إسرائيل وكل ما سببه من أحزان لإشعياء، أراد الله أن يفرح قلبه، إذ بعد سنتين- عندما بلغ من العمر أثنين وخمسين عاماً- تملك حزقيا الملك على مملكة يهوذا. ورغم أن أبوه أحاز كان يعبد الأوثان ولكن حزقيا اهتم منذ تملكه بعبادة الله فى هيكله؛ لأن حزقيا تتلمذ على يد إشعياء، فأحب الله وعبادته. فاهتم حزقيا بترميم الهيكل وفتح أبوابه للعبادة وجمع الكهنة واللاويين للاهتمام بخدمة الهيكل، بالإضافة إلى إزالة أشكال العبادة الوثنية فى مملكته. كل هذا فرح قلب إشعياء، واستمر حزقيا مطيعاً لإشعياء.
تعرض حزقيا الملك لهجوم جيوش الأشوريين بقيادة سنحاريب الملك الأشوري، الذي أرسل رسائل تهديد إلى حزقيا، فوضعها حزقيا فى بيت الرب وطلب وتذلل أمامه. فأرسل الله إشعياء وطمأنه. وفى هذه الليلة أرسل الله ملاكه وقتل 185000 من جيش سنحاريب وهرب الباقون (2مل 19: 35-37).
تعرض حزقيا لمرض شديد وأنبأه إشعياء بأنه سيموت، فصلى حزقيا طلباً من الله أن يعش، فقال له إشعياء: أن الله قبل صلاته وسيمد عمره خمسة عشر عاماً وأعطاه علامة في الطبيعة وهو أن يتراجع الظل عشر درجات (2مل 20: 8- 11) وهذه معجزة غريبة، فعاش حزقيا وشكر الله.
أتى وفود من بلاد العالم لتهنئة حزقيا ومنهم مندوبين من بابل فتكبر حزقيا وأراهم نفائسه وكل ما فى خزائنه، فوبخه إشعياء وأعلمه أن الله سيأخذ كل هذه النفائس وتنقل إلى بابل. ولكن لأجل صلاح حزقيا، سيفعل هذا بعد وفاته. وقد حدث هذا فعلاً عندما سبيت مملكة يهوذا إلى بابل (2مل 2: 13، 17، 18).
اهتم إشعياء بدعوة شعبه لعبادة الله من القلب وليست العبادة المظهرية (إش 1: 11) استمر إشعياء يدعو شعبه للتوبة ويوبخهم ويعلن لهم أن أشور هو قضيب تأديب من الله، فقد قامت بسبى مملكة إسرائيل لشرها، وغزت واستولت على بلاد اليهودية؛ لسقوط مملكة يهوذا أيضاً فى عبادة الأوثان فى بعض الأحيان. ولكن لم تستطع أشور أن تدخل أورشليم من أجل صلاح إشعياء وحزقيا الملك واستجابة الكهنة والشعب لهما.
رأى إشعياء بروح النبوة تجسد المسيح وآلامه وموته وقيامته. وكتب نبوات كثيرة عنها؛ حتى دعي النبي الإنجيلي؛. لأنه وصف أحداث الصليب بدقة وخصص لها جزءاً كبيراً من نبواته من الإصحاح الأربعين حتى الإصحاح السادس والستين.
عندما بلغ إشعياء ثلاثة وسبعين عاماً من عمره، مات حزقيا ملك يهوذا وجلس على عرش يهوذا ابنه منسى، الذي سلك فى الشر، فأهمل عبادة الله ونشر عبادة الأوثان. وبالتالى لم يكن محباً لإشعياء- مثل أبيه حزقيا- بل اضطهده، ثم أمر بقتله بطريقة صعبة وهي نشره بمنشار خشبى لتعذيبه، فمات شهيداً وعمره ثمانين عاماً وذلك عام 680 ق. م.
أستمر إشعياء يتنبأ حوالى ستين عاماً بشجاعة ليس لها نظير، ولذا فاليهود يعتبرونه فى المرتبة الثانية بعد موسى النبى رئيس الأنبياء. لقد كان مثالاً للمسيح فى احتمال الآلام. وكتب سفراً طويلاً عدد إصحاحاته ستة وستين إصحاحا مملوءة بالدعوة إلى التوبة والرجاء فى الرجوع من السبى، ثم تجسد المسيح المخلص.

 

Share

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a5%d8%b4%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%89/