آدم وحواء (1)

 

آدم:

يرد هذا اللفظ في العهد القديم في العبرية حوالي 500 مرة للتعبير عن “الإنسـان” أو “الجنس البشري”. والاسم يحتمل معنى: خليقة، أحمر، مولود الأرض (أديم)، شهـي (للنظر)، اجتماعي.

حواء:

هي أول امرأة خلقت فى العالم، وقد أطلق عليها هذا الاسم من واقع وظيفتها الفريدة “أم كل حي” (تك 20:3)، وقد خلقها الله لآدم لتكون “معيناً نظيره” (تك 18:2-22).

وقد أعطاها رجلها اسمين: الأول هو “امرأة” وهى مؤنث “إمرء” أى رجل، “لأنها من أمرء أخذت” (تك 2: 23)، فهو ليس “اسم علم” أساساً ولكنه تحديد لعلاقتها بالرجل. و الثاني هو “حواء” وقد دعاها آدم به بعد السقوط ونتائجه مشيراً إلى دورها فى تاريخ البشرية الذى كانت هى بدايته (تك 3: 16و20).

آدم وحواء فى العهد القديم:

يركز الأصحاح الأول على الله وأعماله في الخليقة، ثم تأتي خليقة الإنسان في العدد السادس والعشرين وما بعده كتتويج لعملية الخلق، رغم أن بعض الحيوانات قد خلقت في نفس اليوم الذي خلق فيه الإنسان. ولا يرد ذكر للذكر والأنثى إلا في خلقة الإنسان (عدد 27) ، وهذا دليل على أن الله خلق زوجاً واحداً من البشر، وقد خُلق الإنسان على صورة الله (26 و 27) وأعطي سلطاناً على كل المخلوقات علـى الأرض (28 – 30).

وتذكر خلقة الإنسان بكل دقة وتفصيل في سفر التكوين، فهـو ليس إله، ولم يأخذ شيئاً مادياً من الكائنات الأسمى أو من أي كائن سماوي. كما أنه منفصل ومتميز تماماً عن كل صور الخليقة الأخرى، فهو الكائن الوحيد الذي “نفخ الله فيه نسمة حيـاة” (تك 2: 7). ونقرأ عقب كل مرحلة من مراحل الخلق هذه العبارة: “ورأى الله ذلك أنه حسن” (تك 1: 10 و 12 و 18 و 21 و 25) ، أما بعد خلق الإنسان فنقرأ: “ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً” (1: 31). وفي ذلك إشارة الى أن خلق الإنسان هو ذروة الخلق وغايته، فالإنسان هو المخلوق الذي يقف على الخط الفاصل بين الله وبين سائر الخليقة، فهو من تراب الأرض ولكنه خلق على صورة الله وأعطى سلطاناً على كل الأرض.

أما الأصحاح الثاني من التكوين، فهو ليس قصة أخرى للخلق، ولكنه إبراز لبعض النقاط التي تركز على الإنسان. وهو شديد الارتباط بالأصحاح الثالث، فهو بمثابة مقدمة له.

خلق الله الإنسان من تراب الأرض، ” ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حيـة ” (2: 7) ، ثم وضعه في جنة عدن (2: 8 و 15) وأوصاه ألا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر (16 و 17) . ودعا آدم كل الحيوانات والطيور بأسمائها، ولكن لم يكن فيها ما يصلح رفيقاً لآدم، وهكذا صنع له الله حواء من جسد آدم (2: 20 – 23) وقد عاشا معاً في براءة كاملة (2: 25).

ويروي الأصحاح الثالث قصة سقوط الإنسان بغواية الحية التي ألقت الشكوك على صدق الله، وأثارت كبرياء الإنسان (3: 1 – 5). وهكذا وقعت حواء في حبائل الحية وبعدها سقط آدم (3: 6 و 7) ، ومما يلفت النظر أنهما على الفور عرفا أنهما قد وقعا في الخطية، فحاولا الاختباء من الله (عد 8) قبل أن يطردا من الجنة (3: 22).

وقد شمل عقاب الله لهما:

(1) دوام العداوة بين نسل المرأة ونسل الحية.

(2) لعنة الأرض التي يعتمد عليها الإنسان في حياته على الأرض (3: 17 – 19).

(3) أوجاع الحمل والولادة لحواء.

وبعد ذلك ولد آدم قايين وهابيل (4: 2). وبعد مقتل هابيل، ولدت حواء شيث، عندما كان آدم ابن مئة وثلاثين سنة (4: 25، 5: 3). ومات آدم وهو ابن تسع مئة وثلاثين سنة (5: 5).

آدم وحواء في العهد الجديد:

(أ) في الأناجيل:

اليهود كانوا يميلون إلى العودة بنسبهم إلى إبراهيم أبي الأمة، وهو ما يظهر في سلسلة النسب في متى (1: 1-17) ، أما لوقا الذي يتوجه بإنجيله إلى الأمم، فيذهب بنسب السيد المسيح إلى آدم أب الجنس البشري (لو 3: 23 -38) ، وهي المرة الوحيدة التي يذكر فيها “آدم ” بالاسم في الأناجيل.

(ب) في الرسائل:

توجد إشارة تاريخية إلى آدم في رسالة يهوذا (14) حيث يذكر أن أخنوخ هو السابع من آدم. كما يستند الرسول بولس على حقيقة خلق آدم قبـل حواء (التي أخذت منه) لبيان أفضلية الرجل أساساً فيما يتعلق بالعبادة الجماعية (1كو 11: 8، 1 تي 2: 13 و 14) ، ويؤيد ذلك بالإشارة إلى أن حواء هي التي خطت الخطوة الأولى نحو السقوط (1تي 2: 14).

كما توجد إشارة بعيدة إلى آدم بالمقارنة مع المسيح: “الذى لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله” بينما استجاب آدم لتجربة أن يكون “كالله عارفاً الخير والشر” (تك 3: 5) فأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها (تك 3: 22 مع في 2: 6).

وأول الإشارات الثلاث التي لها أهمية بالغة فيما كتبه الرسول بولس، نجدها في رسالة كورنثوس الأولى (15: 22) حيث يذكر اشتراك كل الجنس البشري في تعدي آدم، وأنه إذا كان هناك هذا الرباط الوثيق بآدم في الموت، فهناك الارتباط الوثيق بالسيد المسيح للحياة، وهو الموضوع الذي يشرحه بتفصيل أكبر في رومية (5: 22) كما سيأتي بعد.

وفي حديثه عن القيامة (1كو 15: 45-49) يذكر اختلافاً أصيلاً بين طبيعتي الممثلين العظيمين للإنسان: آدم، الإنسان الأول “، والسيد المسيح ” الإنسان الثاني ” فالأول جبل من التراب مخلوقاً من لحم ودم، كائناً فانياً قابلاً للفساد، وكل الناس بناء على حقيقة ارتباطهم العرقي الوثيق بآدم يشتركون في هذه الطبيعة التي لا تستطيع أن ترث ملكوت الله. أما السيد المسيح – في مفارقة واضحة – فهو الرب من السماء، كائن روحي سرمدي غير قابل للفساد، وهو روحاً محيياً، وكل الذين له يشتركون في طبيعته ويحملون صورته.

كما نجد مقارنة بين ارتباط الجنس البشرى بآدم، وارتباط المفديين بالمسيح، وذلك في رومية (5: 12-21).

كذلك تذكر حواء في كورنثوس الثانية (11: 3) حين يقول ” لكنى أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التى فى المسيح ”

 

آدم وحواء

أولاً: بهاؤهما الأول

• كانا مخلوقين، غير مولودين، لم يرثا فساداً من طبيعة سابقة.

• خلقهما الله على صورته ومثاله. وفى ذلك يسجل سفر التكوين ” وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا.. فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم” (تك 1: 26، 27).

وما أكثر تأملات الآباء القديسين وتفسيراتهم، الخاصة بخلق أبوينا الأولين على صورة الله..

• قيل إن الله خلقهما على صورته في البر والقداسة، في وضع فائق للطبيعة.. وهكذا كان كلاهما باراً بلا خطية حينما خلقهما الله متسربلين بالقداسة.

• وقيل على صورته في الجمال والبهاء والمجد، أى أعطاهما قبساً من بهائه، فكانا في منتهى الجمال، جسدا ونفسا وروحا.

• وقيل إن الله خلق الإنسان على صورته في الخلود، إذ وهب لهما نفساً خالدة، نفخها في أنف آدم، نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية (تك 2: 7).

• وقيل إن الله خلقهما على صورته في حرية الإرادة.

• وقيل أيضاً إن الإنسان خلق على صورة الله في التثليث والتوحيد: ذاتاً، لها عقل ناطق، ولها روح. والذات والعقل والروح كائن واحد: كالذات الإلهية، لها عقل، ولها روح، والثلاثة كائن واحد.. إنما الله غير محدود في كل شيء، والإنسان محدود.

• وقيل إن الله خلقهما على صورته في الملك والسلطة. فكانا ملكين على الأرض، وممثلاً للخليقة الأرضية كلها.

• وقيل إن الله كان يعرف مسبقاً بسقوط الإنسان، وبأنه سيخلى ذاته ويتجسد لكى يخلصه. فخلق هذا الإنسان على الصورة التي كان الله مزمعاً أن يتجسد بها، على شبهه ومثاله.

• وكان آدم وحواء يتصفان بالبساطة والبراءة، ما كانا يعرفان الشر إطلاقاً. كانا يعرفان الخير فقط، ولا شيء سوى الخير. لذلك لم يفكرا وقت التجربة أن الحية يمكن أن تخدع وأن تكذب. فعبارات الكذب والخداع لم تكن موجودة فى قاموسهما في ذلك الحين.

• وقد باركهما الله معاً، بنفس البركة، وأعطاهما سلطاناً على الأرض كلها بجميع كائناتها. “وقال الله نعمل الإنسان كصورتنا، فيتسلطون على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى الدبابات التي تدب على الأرض” (تك 1: 28). وهكذا عاش الاثنان، ولهما هيبة وسلطة، على الأرض ومخلوقاتها. وآدم هو الذي سمى كل الحيوانات وكل ذوات الأنفس بأسمائها “وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية، فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء، وجميع حيوانات البرية” (تك 2: 19، 20).

• خلق آدم وحواء بعد أن أعد الله لهما كل شيء. خلقهما فى اليوم السادس، كقمة لمخلوقاته كلها. وخلقهما بعد أن خلق من أجلهما كل شيء كما فى القداس الغريغورى. من أجلهما أعد السماء لهما سقفاً، ومهد لهما الأرض كى يمشيا عليها. رتب لهما قوانين الفلك، ووضع لهما الشمس لضياء النهار، القمر لإضاءة الليل. ونظم لهما الطبيعة وأجواءها، وخلق لهما النبات لطعامهما، والحيوانات لخدمتهما. وأخيراً خلقهما، ليتمتعا بهذه الطبيعة كلها.

• كان آدم وحواء سعيدين، يعيشان فى الجنة فى عِشرة الله. لعل السبب الأول فى سعادتهما، أنهما كانا يحيان فى عشرة الله.. الله كان يظهر لهما، وكان يكلمهما، ويباركهما، ويعلمهما بنفسه ويقدم لهما الوصايا النافعة لهما. كانت لهما علاقة مباشرة مع الله، لم يكن هناك ما ينقصهما، ولم يكن هناك ما يعكر صفوهما، كان كل شيء حولهما جميلاً وعاشا فى اليوم السابع، اليوم الذى قدسه الرب، واتخذه للراحة، له ولهما .

• عاش آدم وحواء فى الجنة نباتيين. حيث أن أكل اللحوم لم يسمح به الله إلا فى أيام نوح، بعد خروجه وأسرته من الفلك، أما ما قبل فلك نوح، فلم يكن مصرحاً بغير النبات.. وهذا ما يذكر سفر التكوين: لما خلق الله آدم و حواء، سمح لهما بأكل الفاكهة والبقول، أى ثمار الأشجار، وذلك بقوله “إنى قد أعطيتكم كل بقل يبذر بذراً على وجه كل الأرض، وكل شجر فيه ثمر شجر يبذر بذراً، لكم يكون طعاماً”. “ولكل حيوان الأرض، وكل طير السماء وكل دبابة على الأرض فيها نفس حية، أعطيت كل عشب أخضر طعاماً، وكان كذلك”. (تك 1: 29، 30)

 

آدم وحواء

ثانياً: خطايا عديدة لأبوينا الأولين

• العصيان أو المخالفة

الوصية كانت واضحة (تك 2: 16، 17)، وقد سمعها آدم بنفسه من فم الله. وكانت تحفظها حواء (تك 3: 2). ومع ذلك خالفاها.

• المعاشرات الرديئة

بدأت سلسلة الخطايا التى وقع فيها آدم وحواء بخطية “المعاشرات الرديئة التى تفسد الأخلاق الجيدة” (1كو 15: 33)، فجلست أمنا حواء مع الحية. وحتى إن كانت أمنا حواء، بنقاوة قلبها وبساطتها، لا تدرك ما فى الحية من خبث، فإنه كان يجب عليها أن تنتبه، حينما أخذت الحية تكشف أوراقها، وتقول كلاماً عكس ما قاله الله نفسه لهما.

• خطية الشك

قالت الحية فى خبث “لن تموتا، بل الله عالم إنكما يوم تأكلان تتفتح أعينكما، تكونان مثل الله عارفين الخير والشر”. هذا هو الشك الذى ألقته الحية فى نفس حواء، الشك فى صدق كلام الله، والشك فى حب الله للبشر، بل الشك أيضاً فى إنذار الله لهما بالموت. فهما – حسب كلام الحية – لن يموتا، بل ستتحسن أحوالهما.

• خطية الانقياد

انقادت – وهى صورة الله ومثاله – إلى الحية ومشورتها. ونفس هذا الانقياد الخاطئ، الذى وقعت فيها حواء، حدث بالنسبة إلى أبينا آدم من جهة امرأته.

• ضعف الإيمان

الله يقول عن ثمر الشجرة “لا تأكلا منه لئلا تموتا” والحية تقول “لن تموتا” والمرأة تقبل كلام الحية، إذن فهذا ضعف إيمان بالله وبكلمته وبإنذاره. بل هو عدم إيمان بصدق الله.

• الاستهانة وعدم مخافة الرب

بدأت تستهين بحكم الله وبتهديده وعقوبته، ولم تخف إطلاقاً من أن تمد يدها وتأخذ، كما لو كانت عبارة “موتاً تموتاً” لا تهز لها جفناً، و لا تحرك ضميرها أو قلبها.

• خطية الشهوة

نظرت المرأة إلى الشجرة، فإذ هى “جيدة للأكل، وبهجة للعيون، و أن الشجرة شهية للنظر” فاشتهتها. كانت شجرة معرفة الخير والشر فى وسط الجنة، وربما كانت حواء تمر عليها كل يوم وتراها. وكانت نظرتها إليها بسيطة، لا تحمل شهوة، أما ألان فبدأت تنظر إليها بشهوة.

• خطية الكبرياء

“تصيران مثل الله” أو تصيران إلهين..!! إن كان الأمر هكذا، فلماذا نرضى ونكتفى بالمستوى البشرى؟ واستطاعت هذه الكبرياء أن تحطمها، كما حطمت الشيطان من قبل.

وكما قال أحد القديسين: إن حواء اشتهت مجد الألوهية، ففقدت ما كان لها من مجد البشرية.

• المعرفة المخربة

“تصيران مثل الله، عارفين الخير والشر” “تنفتح أعينكما”.. لقد قدم الشيطان للإنسان هذا الإغراء، إغراء المعرفة.. ولكن أى معرفة؟ فقد وهبهما الله فضل معرفته، وجعلهما يعرفان الخير والبر ويذوقان ما فى هذه المعرفة من لذة! وهنا يقول الحكيم عن هذه المعرفة المؤذية ” وَالَّذِي يَزِيدُ عِلْماً يَزِيدُ حُزْناً” (جا 1: 18).

• طلب المعرفة من غير الله

كان الله هو المعلم الأول والوحيد للإنسان، يعطيه من المعرفة ما يفيده وما يبقى على نقاوته. ثم بدأ الإنسان يتخذ له مرشداً غير الله، يشير عليه بما يفعل، ويعطيه معرفة أخرى. وكان هذا المرشد للأسف، هو الشيطان الذى دخل الحية، وأرشد الإنسان إلى ما فيه هلاكه.

• حفظ الوصية عقلاً لا عملاً

كانت حواء تحفظ الوصية حفظاً عقلياً! لذلك عندما سألتها الحية “أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟” صححت لها حواء منطوق الآية، فقالت للحية “من ثمر شجر الجنة نأكل. وأما ثمر الشجرة التى فى وسط الجنة، فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا”.

والعجيب أنها فى نفس الوقت الذى ذكرت فيه الوصية بهذه الدقة العجيبة، عادت وكسرت الوصية، ومدت يدها وقطفت وأكلت. لقد حفظت الوصية عقلاً لا عملاً.

إنها تذكرنا بالشاب الغنى الذى كان يحفظ الوصايا، وقال عنها للسيد الرب “هذه كلها حفظتها منذ حداثتى” (مت 19: 20). وفى نفس الوقت مضى حزيناً، لأنه كان يعبد إلهاً آخر هو المال، بينما تقول الوصية الأولى “لا تكن لك آلهة أخرى أمامى” (خر 20: 3).

• الانحدار إلى المستوى الجسدانى

اعتبر البعض أن الوصية الأولى التى أعطيت للإنسان، كانت وصية صوم، تشبه صومنا فى هذه الأيام، نأكل من الكل ماعدا نوع واحد وهو الأطعمة الحيوانية. كذلك أعطى آدم وحواء أن يأكلا من الكل ماعدا شجرة واحدة. ولكن آدم وحواء كسرا هذا الصوم، وأكلا من هذا الصنف المحرم. وبالأكل سقطا من المستوى الروحى إلى المستوى الجسدى.

• عدم القناعة

الله أعطى أبوينا الأولين أن يأكلا من كل شجر الجنة، ماعدا واحدة. ولا شك أنه كانت توجد أثمار كثيرة جداً فى الجنة، بل كان فيها كل أنواع الثمر. ولكن هذا كله لم يقتنع به آدم وحواء ولم يكفيهما، بل أرادا الأكل من هذا النوع الواحد الناقص. وهذا يدل على عدم القناعة.

ولذلك قال سليمان الحكيم “العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع” و”كل الأنهار تجرى إلى البحر، والبحر ليس بملآن” (جا 1: 7، 8)

• إعثار الآخرين

فالكتاب يقول عن حواء إنها “أكلت، وأعطت رجلها أيضاً” لم تفعل الخطأ فقط بل كانت عثرة لآدم أيضاً.

• محاولة تغطية نتائج الخطية

لما أكلا “انفتحت أعينهما، وعلما آنها عريانان”، إذ فقدا نقاوتهما. وبدلاً من معالجة الخطية والتخلص منها، و الرجوع إلى النقاوة الأولى، قاما بتغطية الخطية بأوراق التين. وهكذا تغطى آدم وحواء، ولكن بقى القلب من الداخل غير سليم.

• الهروب من الله

“سمعا صوت الرب الإله ماشياً فى الجنة، عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الله فى وسط شجر الجنة” (تك 3: 8). أصبح هناك تباعد بينهما وبين الله، وجدت هوة فاصلة، لم يعودا يفرحان بالوجود فى حضرة الرب. فحالما سمعا صوته مقبلاً، هربا من وجهة واختفيا.

• الخروج من محبة الله

الرب يقول “الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني” (يو 14: 21) إذن كسر الوصية ضد المحبة.

* ورغبة آدم وحواء فى أن يصيرا ” مثل الله ” حسب إغراء الحية، كان عملاً آخر ضد محبتهما لله.

* وتصديق كلام الحية، عكس كلام الله، كان أيضاً عملاً ضد محبة أبوينا الأولين لله.

* وفى مناقشتهما مع الله، كانت الطريقة لا تتفق والمحبة.

* وهروبهما من وجه الله، واختباؤهما، كان عملاً رابعاً منهما ضد محبة الله.

• عدم السعى إلى الخلاص

إنهما إنسانان قد كسرا وصية الله، وأصبح محكوماً عليهما بالموت. فماذا فعلا للتخلص من حكم الموت هذا؟ هل سعيا إلى الخلاص؟ هل بذلا جهدهما لكى يصطلحا مع الله ولكى يعودا إلى علاقة الحب الأولى؟ كلا.

لقد شل الخوف تفكيرهما، فلم يقوما بأى عمل من أجل نفسيهما الهالكتين، إنما أسرعا بالاختفاء من وجه الله.

• الجهل بالله وقدرته

إلى أين يهربا من وجه الرب؟ وأين يختفيان؟ لقد كان حفيدهما داود أكثر معرفة بالله حينما قال: “أين أذهب من وجهك؟ ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت فى هاوية فها أنت.. ” (مز 139: 7، 8).

هل يخفيهما الشجر عن عين الله الفاحصة الخفيات والظاهرات؟ أم أنهما جهلا قدرة الله على كل شيء.

حقاً إن الإنسان لما أكل من شجرة المعرفة صار جاهلاً، لقد وعده الشيطان وعداً زائفاً لم يبر به.

• عدم إدانة النفس

إن كان هذا الإنسان قد أكل من شجرة المعرفة، وعرف الخير والشر، فعلى الأقل أصبح يعرف أنه قد أخطأ. ولكن كلمة “أخطأت” لم يقلها آدم أو حواء إطلاقاً، ولم يعترف أى أحد منهما بخطاياه.

• محاولة تبرير النفس

كل منهما حاول أن يبرر نفسه وأن يوجد لنفسه عذراً يغطى به خطيته، أو على الأقل يقلل من الجرم الذى وقع فيه. ولكن لم يقبل الله شيئاً من تبريراتهما وأعذارهما، لأن الخطية واضحة.

• إلقاء التبعية على الآخرين

آدم يلقى التبعة على حواء “المرأة أعطتنى فأكلت” وحواء تلقى التبعة على الحية فتقول “الحية غرتنى فأكلت”. ولا يلقى أحد منهما باللوم على نفسه.

• ضد محبة القريب

كما كسر آدم محبته لله، كسر أيضاً محبته للقريب (حواء). اتهمها أمام الله، وحملها تبعة سقوطه فى الخطية.

• الاختفاء وراء امرأة

ما كان يليق بأبينا آدم – الرجل الأول فى البشرية أن يختفى وراء امرأة لكى ينجو! يقدمها للاتهام، ويحملها المسئولية، لكى يتبرر هو! الأمر المثالى، أن يتحمل أخطاءها، وينسبها لنفسه، كمسئول، وينجيها من العقوبة، ويتصدر الموقف ويتركها تختفى وراءه. ويحمل خطاياها، كما حمل السيد المسيح خطايا عروسه الكنيسة.. لكن آدم فعل العكس.

• عدم اللياقة فى الحديث

وفى دفاع آدم عن نفسه باللقاء التبعة على المرأة، فقد اللياقة اللازمة فى التحدث مع الله نفسه..! فلم يكتف بقولة “المرأة أعطتنى فأكلت” وإنما قال لله: “المرأة التى جعلتها معى، هى أعطتنى” كأنه بهذا يشرك الله فى المسئولية، أو يجعل الله السبب فى سقوطه، أنه أعطاه المرأة التى أعطته الثمرة..!

 

آدم وحواء

ثالثاً: نتائج هذه الخطايا وعقوباتها

• اللعنة

اللعنة لم تصب آدم وحواء لسببين:

أولا: لأن الله كان قد باركهما قبلاً (تك 1: 8) وهبات الله بلا ندامه (رو 11: 9).

ثانيا: أنه لو لعن آدم وحواء، لكانت اللعنة قد أصابت الجنس البشرى كله.

ولكن اللعنة أصابت الحية التى أغرت حواء بأكل الثمرة. كذلك أصابت اللعنة الأرض التى تخرج ثمراً للأكل.

وفى لعنة الحية، كانت تحمل عقوبة ضمنية للإنسان. فقد أصبحت هناك عداوة بينه وبين الحية.

وفى داخل هذه العقوبة التى أوقعها الله على الحية، وضمناً على الإنسان، كان يوجد الوعد بالخلاص. وعد بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية. وهذه كانت أول نبوءة عن مجيء السيد المسيح لخلاصنا.

وفى اللعنة التى أصابت الأرض، كانت توجد أيضاً عقوبة ضمنية موقعة على الإنسان نفسه. إذ قال له الله “ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. وشوكاً وحسكاً تنبت لك، حتى تعود إلى الأرض التى أخذت منها.. ” (تك 3: 17-19)

بهذه اللعنة بدأت الأرض تتمرد على الإنسان، كما أصبحت الحيوانات تتمرد عليه، ممثله فى الحية، هكذا فقد الإنسان هيبته، فيما كانت تعده الحية بالألوهية !!

 

• الموت

كان الموت هو العقوبة الأساسية للخطية، “يوم تأكل منها موتاً تموت” (تك 2: 17).

+ الموت الجسدى: لم يكن ممكناً أن يموت أبوانا فى التو واللحظة وإلا لانتهت البشرية كلها وزالت. لذلك تأجل هذا الموت إلى حين.

+ الموت الروحى: فكما قال القديس أوغسطينوس [موت الجسد هو انفصال الروح عن الجسد. أما موت الروح، فهو انفصال الروح عن الله ]

+ الموت الأدبى: ضاعت كرامة هذا الإنسان الأول، وفقد الحالة الفائقة للطبيعة التى خلق عليها.

+ الموت الأبدي: وهو الذى خلصنا منه السيد المسيح بالفداء، حين مات عنا.

• فقدان الصورة الإلهية

فى حالة البر الأولى، كان آدم على صورة الله، ومثاله، ولكن بعد السقوط نجد الله يقول له ” لأنك تراب، وإلى التراب تعود ” كان صورة الله، فأصبح تراباً.

• فساد الطبيعة البشرية

فقدت الطبيعة البشرية نقاوتها الأولى، وعرفت الخطيئة، ودخلت فى ثنائية معرفة الخير والشر، وفى الصراع بين الجسد والروح. بل وانحدرت إلى أن وصلت إلى محبة الخطية، والعبودية لها، وإلى إنكار الله.

وفقد آدم وحواء هيبتهما، سلطتهما على الطبيعة، وعلى الحيوان، فتمردت عليهما الأرض، وتمرد عليهما الحيوان، وصارت عداوة بينهما.

• تعب النفس

بدأت البشرية تعرف أمراض النفس، الشهوة، الخوف، الخجل، الحسد، الغضب، القتل، القلق، الرعب وفقدان السلام الداخلى.

• تعب الجسد

أصبح آدم يأكل خبزه بعرق جبينه. وأصبحت حواء بالوجع تلد أولاداً. هذا بالإضافة الى تعب آخر، هو شهوات الجسد وغرائزه، واشتياقاته.

ولم يعد هناك من حل، سوى انتظار الخلاص الذى يأتى به المسيح، حيث ينضح علينا بزوفاه فنطهر ويغسلنا أكثر من الثلج، ويمنحنا بهجة خلاصه (مز 50)

 

Share

Permanent link to this article: http://stmina.info/%d8%a2%d8%af%d9%85-%d9%88%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%a1-1/