قايين:
وهو الابن الأول لآدم وحواء – بعد السقوط – فهو أول إنسان وُلد في العالم. والاسم فى العبرية شبيه بكلمة عبرية أخرى بمعنى ” يقتني “، فعندما ولدته حواء ” قالت: اقتنيت رجلاً من عند الرب ” (تك 4: 1) ظناً منها أن فيه يتحقق وعد الله عن نسل المرأة الذى يسحق رأس الحية ( تك 3: 15).
هابيل:
هو الابن الثانى لآدم وحواء، ورابع البشر فى الخليقة. وهو اسم لا يُعلم اشتقاقه على وجه اليقين، ولكن يرجح البعض أنه يعنى ” نفخة ” أو ” بخار ” أو ” هشاشة “.
عملهما:
كان قايين عاملاً فى الأرض أما هابيل فكان راعيا للغنم وقدم كل منهما قرباناً للرب حيث قدم هابيل من أثمار الأرض، بينما قدم هابيل من أبكار غنمه ومن سمانها .
كيف عرفا الوصية بتقديم قربان للرب؟
وصايا اللـه للبشر لم تكتب إلا فى عهد موسى النبى حين أمره اللـه أن يكتب الوصايا التى سلمه إياها فى سفر ويحفظ هذا السفر فى خيمة الشهادة ( خيمة الاجتماع ) ولكن منذ أيام آدم وحواء وحتى موسى النبى كان كل جيل يعلم الأجيال التالية وصايا اللـه التى أوصى بها آدم ومن هنا عرفت البشرية وصية تقديم قرابين وذبائح فقدم الإنسان قرابين وذبائح عبر الأجيال منذ هابيل ومروراً بنوح وإبراهيم واسحق ويعقوب الى موسى حيث أصبحت الوصية مكتوبة لبنى إسرائيل.
لماذا قبل اللـه قربان هابيل ورفض قربان قايين؟
اختلفت الآراء حول السبب فالبعض قال أن هابيل قدم أفضل ما عنده وهو ما لم يفعله قايين. والبعض رأى أن هابيل قدم ذبيحة دموية فى حين أن قايين قدم ذبيحة غير دموية.
ومع احتمال ما لهذين الرأيين من صواب، إلا أننا نجد فى رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين سبباً واضحاً، حيث يقول ” بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين. فبه ( بالإيمان ) شهد الله أنه بار” ( عب 11: 4 ). وهذا معناه أنه لم يكن عند قايين إيمان، وبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه ” إرضاء الله ” ( عب 11: 6 ).
” فاغتاظ قايين جدا وسقط وجهه ” ( تك 4: 5 )
إذن قايين لم يكن يسعى إلى محبة الله، وإلى إرضاء قلب الله، إنما كان يبحث عن كرامته الشخصية ورضاه عن نفسه وعن مركزه.
لو كان يبحث عن محبة الله، لكان فى حالة رفض الله لقربانه، يفتش كيف يرضى الرب، و لا مانع من أن يغير قربانه، ويقدم ذبيحة كهابيل، ويحسن تصرفه 0ولعل هذا ما قصده الرب بقوله : ” إن أحسنت، أفلا رفع ”
( ع 7 ) أى أفلا يرتفع وجهك، إن أحسنت التصرف، وإن أحسنت التقدمة، وإن أحسنت التفكير والشعور..
كانت أمامه فرصة لتحسين موقفه، ولكنه لم يستغلها، ولم يستفد من توجيه الرب ، الذى تنازل وكلمه. لم يشأ أن يعترف بينه وبين نفسه أنه مخطئ فى تقدمته، وأنه يجب أن يسلك كأخيه، إنما ركز على كرامته.
كانت ذاته تتعبه. وليته كان يحب ذاته محبة سليمة ! إن الذى يحب ذاته محبة حقيقية طاهرة من الكبرياء والعناد، لا مانع مطلقاً من أن يصحح لهذه الذات أخطاءها، ويعمل على تطهيرها من نجاساتها. أما محبة الذات الممتزجة بالكبرياء، فإن كبرياءها تعميها عن رؤية أخطائها، فتظل كما هى، وتصر على سلوكها.!
قايين أيضاً ركز كل تفكيره فى ذاته، كيف يتفوق على أخوه ويحظى برضى الرب ؟!. فرأى أن يتخلص من أخيه. يتخلص من هذا البار، الذى كلما يراه تصغر نفسه و يشعر أنه أقل. ورأى أنه إذا تخلص منه، لا يبقى أمامه شخص أفضل، يثير حسده.
كانت كبرياء الذات ، أهم عنده من نقاء الذات. حقا، إنها قصة متكررة، تحدث فى كل جيل، سببها عدم نقاوة القلب والاستسلام لمشاعر الغيرة.
لقد نبهه الرب إلى أن هناك ” خطية رابضة “. وقال له بكل وضوح ” وإن لم تحسن ، فعند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها، أنت تسود عليها ” . مازال فى متناول يدك أن تتخلص منها. إن الخطية مازالت على باب فكرك، وعلى باب قلبك، وعلى باب إرادتك. ومازالت إرادتك فى يدك، وأنت تسود عليها. فاحذر لنفسك قبل أن تتورط. ما أعمق هذا الحنو، فى معاملة الله للخطاة.
العجيب أن قايين، بعد أن كلمه الله، لم يستجب لكلمة الله، ولم يفتح لها قلبه، بل فتحه للخطية. بعد أن نصحه الرب، لم يستفد من النصيحة، إنما تورط فى الخطية، وبالأكثر، ” قام على هابيل أخيه وقتله “.
وسائط النعمة يستفيد منها من يشاء، ويرفضها من يشاء إنها لا ترغم الإنسان على عمل الخيرفالشاب الغنى، تقابل مع السيد الرب، وسمع نصيحة نافعة من فمه الإلهى، ولكنه بعد سماعها مضى حزيناً، ولم يقل الكتاب إنه نفذ شيئاً من تلك النصيحة إذا المشكلة تكمن فى وجود إستعداد داخلى ورغبة أم لا.
” وقام قايين على هابيل أخيه وقتله “. وهكذا تطورت به الخطية من سئ إلى أسوأ ، و هو مستسلم لها. وبعد أن كان يسود عليها ، صارت تسود عليه.
” أين هابيل أخوك ؟ “ ( تك 4: 9 )
لم يرو لنا الكتاب أن هابيل دافع عن نفسه، أو أنه قاوم الشر، أو حتى أنه شكا أو إستنجد أو إستغاث لقد لاقى مصيره فى صمت، ومات بيد أخيه. ولكن ” الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين “ (مز 103: 6) لم يسكت بل سأل قايين: ” أين هابيل أخوك ؟ ”
والعجيب أن قايين بدلاً من أن يعترف بخطيئته ويطلب المغفرة نجده يتمادى فى الشر ويجيب الرب قائلاً:
” لا أعلم، أحارس أنا لأخى ؟ ! “
حقاً، إن الكذب هو الإبن البكر لكل خطية. هو الغطاء الذى يحاول الخاطئ أن يغطى به على خطيئته فلا تظهر. ولكن الله واجهه بالحقيقة التى تكشف كذبه ، فقال له:
” صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض “. ( تك 4: 10)
إن هابيل لم يتكلم، ولكن دمه له صوت صارخ من الأرض. قد يصمت المظلومون. ولكن صمتهم له صوت صارخ إلى الله. والله يسمع هذا الصوت، صوت صمتهم الصارخ. إن يوسف الصديق قد ظلمه أخوته وظلمته إمرأة فوطيفار، وصمت. ولكن صمته كان يصرخ إلى الله، وسمع الله، وتدخل لينقذه من الظلم. والعمال الذين بخست أجورهم، يقول الكتاب إن هذه الأجرة المبخوسة تصرخ، والصراخ قد دخل إلى أدنى الرب ( يع 5: 4 ). إن الله يقاتل عنكم وأنت تصمتون، لأنه يسمع صوت صمتكم.
” فالآن ملعون أنت من الأرض التى فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك “ ( تك 4: 11 )
هنا بدأت العقوبة. ولأول مرة هنا يلعن الرب إنساناً. عندما أخطأ آدم قال له ملعونة الأرض بسببك، ولكن لم يلعنه شخصياً. لعنت الحية، والأرض، ولكن هنا لأول مرة يلعن الإنسان. فأصبحت الأرض تتمرد عليه ” لا تعود تعطيك قوتها “ وفقد سلامه الداخلى ” تائها وهارباً تكون فى الأرض “.
” ذنبى أعظم من أن يحتمل “ ( تك 4: 13)
للأسف لم تكن عبارة توبة، إنما خوف من العقوبة. أى أن العقوبة أعظم من إحتماله.لذلك فإن الله الرحوم، الذى يشفق حتى على القلوب القاسية إذا ما تذللت أمامه، طمأن قايين الخائف ” وجعل له علامة لكى لا يقتله كل من وجده “ ( ع 15 ). بل قال له أيضا ” كل من قتل قايين، فسبعة أضعاف ينتقم منه “.
ونلاحظ أن قايين لم يطلب مغفرة لخطيئته ، بل أنه لم يقل عبارة أخطأت. كل ما أتعبه هو العقوبة. وإذ جعل الرب علامة لكى لا يقتله كل من وجده، ” خرج قايين من لدن الرب، وسكن فى أرض نود “