إنها محبة الله النارية التي تلهب القلب فتهبه قوة فائقة، وتعطي صاحبه قدرة للعمل الروحي العجيب!الأبدي وقديستنا صورة حية لانفتاح القلب على أمجاد السماء فتركت كل مجد بشري من أجل الملكوت.
نشأتها:
في أواخر القرن الخامس الميلادي رزق الله الملك البيزنطي زينون ابنة اسماها إيلارية، ثم اعطاه الله ابنة أخرى اسماها ثاؤبسته، ولما كان هذا الملك محبًاللإله الحقيقي يسوع المسيح ربى ابنتاه على محبة الكنيسة والعبادة فنشأتا على محبة الإيمان وتعاليم الآباء.
وقد عاشت قديستنا إيلارية في حياة تقوية تمارس نسكها الخفي وتدرس الكتاب المقدس، فمال قلبها للبتولية وتكريس حياتها للعبادة فكانت تحدث نفسها بزوال الدنيا ومجد هذا العالم الزائل، فإختارت أن تكون مزدرية وغير موجودة هاربة من أضواء العالم لتتمتع بنور المسيح.
في أحد الأيام إذ مضت إلى الكنيسة سمعت كلمات الرسول بولس عن موسى الذي بالإيمان أبى أن يُدعى ابنًا لابنة فرعون، مفضلاً بالحري أن يُذل مع شعب الله عن أن يكون له تمتع وقتي بالخطية (عب24:11-26)، فالتهب قلبها بالحنين إلى ترك القصر لتمارس حياة العبادة الخفية.
بالفعل في اليوم التالي تزينت بزي سعاة الملك وشدت وسطها بمنطقة وانطلقت إلى البحر متجهة إلى الإسكندرية، وكانت قد بلغت الثانية عشر من عمرها. هناك تباركت من كنيسة القديس بطرس خاتم الشهداء وكنيسة مار مرقس الرسول ثم سألت أحد الشمامسة أن يذهب معها إلى دير شيهيت مقدمة له مبلغًا للإنفاق على الرحلة ، بينما كان الملك يبحث عنها بمرارة ولا يجدها.
الذهاب إلى البرية:
تحدث معهما القديس بمويه ، ثم سألته إيلارية أن يقبلها في الرهبنة دون أن تكشف له عن أمرها، فأجابها أن تذهب إلى دير الزجاج لتترهب هناك، قائلاً لها: “أراك ابن نعمة، وقد اعتدت على عيشة الترف، وهذا الموضع صعب عليك لقلة العزاء الجسدي .
أصرت إيلارية على طلبها وقلت له: ” يا أبي أني لم أحضر هنا لكي أتنعم وأنما لأتعبد وأسلك مسلك الآباء في صوم ونسك وصلاة، وبصلواتك يا أبي لي ثقة كبيرة في أن الله يعطيني نعمة وجهادًا ”
فتعجب الأنبا بمويه عند سماع هذا الكلام فقبلهاواعطاها قلاية علي أنها شاب يدعى إيلاري ، ثم سلمت أموالها للشماس ليقدمه للأب البطريرك لخدمة الفقراء.
اختبر الأب بمويه إيلاري وإذ رأى مثابرته وجهاده البسه الإسكيم ودعاه ” الراهب إيلاري “، وكان يفتقدها مرتين كل أسبوع يرشدها ويدربها على الحياة النسكية.
بقيت في جهادها سبع سنوات، وكان الرهبان يدعونها ” الراهب الخصي ” بسبب رقة صوتها وعدم ظهور لحية، وفي أحد الأيام أخبرها القديس بموية أن الله كشف له أمرها بكونها ابنة الملك وسألها أن تبقى هكذا لا تبح أمرها لأحد قط.
أحزان في القصر:
كان القصر الإمبراطوري في حزن شديد على إختفاء الأميرة إيلارية وذاد الحزن أضعافًا عندما مرضت أختها ثاؤبستا بمرض عضال حار فيه الأطباء تمررت نفس الملك الذي فقد ابنته الكبرى وها هو يفقد أختها، فأرسلها إلى برية شيهيت ليصلى من أجلها الآباء النساك ، وإذ كان الراهب إيلاري قد عُرف بالتقوى طلب الشيوخ بعد صلاتهم على ثاوبستا أن تُحمل إلى قلايته ليصلي عليها، فلم تترد إيلارية، بل بسطت يديها وكانت تصلى بدموع وهي تقبل أختها ، فتحنن الله عليها وشفاها، فمجد الآباء الله.
عودة الأميرة إلى القسطنطينية:
عادت الأميرة لتخبر الملك بعمل الله معها وتعب الشيوخ من أجلها خاصة الأب إيلاري، وروت له كيف كان يبكي بدموع ويقبلها ويرقد بجوارها، الأمر الذي أدهش الملك وساوره الشك. فكتب إلى الأب بمويه يطلب منه أن يرسل إليه الراهب إيلاري ليباركه هو ومملكته.
تحت إلحاح الآباء اضطر إيلاري أن يذهب إلى القصر الذي استقبله الملك والملكة وكل رجال البلاط بحفاوة وفرح عظيم.
انفرد الملك بالراهب يسأله كيف يمكن لراهب أن يقّبل فتاة ويرقد بجوارها، عندئذ طلب الراهب منه أن يتعهد بألا يعوقه عن العودة إذ قال للملك سبب مقنع لذلك فتعهد الملك، عندئذ سالت الدموع من عيني الراهب وهو يرتمي على صدر الملك، ويقول: ” أنا ابنتك إيلارية !”. لم يحتمل الملك الخبر فصار يعانقها، ونادى الملكة ليبشرها بالخبر، وتحولت حياتهمامن حزن شديد إلى فرح شديد، بسبب عودة إيلارية وشفاء ثاؤبسته.
بقيت القديسة إيلارية معهم في القصر ثلاثة أشهر لتعود فتذكر أبيها بالوعد الذي قطعه على نفسه بأن لا يعوق عودتها إلى البرية لتكمل جهادها، غربتها وحبها لمن احبها أولاً.
عاد الراهب إيلاري ومعه خيرات كثيرة للدير ، وقد قضى خمسة أعوام في نسكه وتقواه حتى افتقده الرب بمرض ليرقد في الرب بعد رشم علامة الصليب على وجهه.
دفنها الأنبا بمويه بملابسها كطلبها وأعلن خبرها للرهبان الذين تعجبوا لعمل الله الفائق في حياتها.
بركة صلاتها تكون معنا، أمين.وتحتفل الكنيسة بعيد نياحتها في الحادي والعشرين من طوب ه.