تجربة ربنا يسوع المسيح على الجبل لها دور رئيسى فى خلاصنـا بكونها جزءاً لا يتجزأ من عمله الإلهى الخلاصى.
سوف ندرس هنا ما قاله الآباء عن سبع نقاط:
1- سبب التجربة.. لماذا؟ 2- دور الروح القدس فيها.
3- موضع التجربة. 4- من هو المجـرب؟
5- إرتباط التجربة بالصوم 6- أنواع التجارب الثلاثة.
7- خدمة الملائكـة للسيد المسيح.
أولاً: لماذا التجربة؟
“ثم اصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس” (مت 4: 1).
1- قال الأب سرابيون:
(أعطانا الرب بمثاله حين جرب، كيف نستطيع أن تنتصـر علـى التجربة).
• وقال القديس اوغسطينوس:
(يسوع قائدنا سمح لنفسه بالتجربة حتى يعلم أولاده كيف يحاربون).
• وقال القديس اغريغوريوس الكبير:
(حقاً كان لائقاًً بذاك الذى جاء ليحل موتنا بموته أن يغلب أيضـاً تجاربنا بتجاربه).
ثانياً: دور الروح القدس في التجربة:
“ثم أصُعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس” (مت 4: 1).
• قال القديس يوحنا ذهبى الفم:
(ليس المسيح وحده هو الذى أصُعد بالروح إلى البرية وإنما كـل أولاد الله الذين فيهم الروح القدس، فإنهم لا يقنعون ببقائهم كسـالى إنما يحثهم الروح أن يقوموا بعمل عظيم.. فيخرجون إلـى البريـة كمن يصارعون إبليس حيث توجد أعمال ظلم يثيرها الشـيطان.. لأن كل الصالحين هم خارج العالم والجسـد، ليسـت لـهم إرادة العـالم ولا إرادة الجسد، يخرجون هكذا إلى البرية ليجربوا).
ثالثاً: موضع التجربة (البرية):
اختار الله البرية لتكون مكان التجربة.. وفى هـذا يقـول القديـس يوحنا ذهبى الفم: (أنظر أين أصعده الروح عندما أخذه.. لا إلى مدينة ولا إلى مسرح عام بل إلى برية.. بهذا كان يجتذب الشيطان، ليـس فقط بجوعه وإنما خلال الموضع أيضاً.. وعندئذ على وجه الخصـوص يحارب الشيطان، عندما يرى الناس متروكين وحدهـم بمفردهم.. هكذا فعل أيضاً مع المرأة (حواء) فى البداية عندما إصطادها وحدهـا
إذ وجدها بعيدة عن زوجها، فإنه عندما يرانا مع الآخرين متحديـن معاً لا تكون له الثقة الكافية لمهاجمتنا، إننا فـى حاجـة عظيمـة أن نجتمع معاً باستمرار حتى لا نتعرض لهجمات الشيطان).
رابعاً: من هو المجرب؟ (الشيطان):
1- قال القديس يوحنا ذهبى الفم:
لقد يئس الشيطان عندما رأى المسيح صائماً أربعين يوماً، لكنـه إذ أدرك أنه جاع بعد ذلك استعاد رجاءه “فتقدم إليه المجرب” (مت 3:4) وأنت إن صمت وعانيت من تجربة فلا تقل فى نفسك: لقد فقدت ثمـرة صومى (فإنك إن صمت ودخلت فى تجربة. فلتنـل النصـرة علـى التجربة).
خامساً: إرتباط التجربة بالصوم:
“فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخـيراً.. فتقدم إليه المجرب” (مت 3،2:4).
1- قال القديس اوغسطينوس:
(عندما يوجد صراع متزايد من المجرب يلزمنا أن نصـوم حتـى يقوم الجسد بالواجب المسيحى فى حربه ضد شهوات العالم بالتوبـة وحث النفس على النصرة فى اتضاع).
• قال الأب هيلارى أسقف بواتييه:
(لقد صام السيد أربعين يوماً، والكنيسة أيضاً تقدس هذا الصـوم الأربعينى لكونه قد تقدس بالسيد نفسه، وتقدم موضوع “التجربة” فـى
بداية قراءات الصوم لتعلن لأولادها أنه حيث يوجـد جـهاد تقـوم الحرب، وحيث توجد الحرب يلزم الجهاد الروحى بالصوم والصلاة).
سادساً: أنواع التجارب الثلاثة:
التجربة الأولى : تجربة الخبز:
“فتقدم إليه المجرب وقال له إن كنت إبن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا. فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (مت 3:4، 4).
1- قال القديس جيروم:
(كانت التجربة الأولى هى تجربة الخبز، أو تجربة البطـن، لكـن النفس الشبعانة تدوس العسل، فلا يستطيع العدو أن يجـد لـه فـى داخلنا موضعاً مادامت نفوسنا ممتلئة بالسيد نفسه.. فى حالة شـبع بل وفيض.. إذ بهذا ندخل فى شبه الحياة الملائكية فلا يكون للبطـن السيادة علينا).
• وقال الأب يوحنا من كرونستادت:
(تأكد تماماً أن العدو يهاجم القلب عن طريق إمتلاء البطن).
• وقال القديس يوحنا كليماكوس:
(كن سيداً على معدتك قبل أن تسـود هـى عليـك. الذى يرعـى شرهه ويأمل فى التغلب على روح الفجور يشبه من يحاول أن يخمد النار بالزيت).
التجربة الثانية: على جناح الهيكل:
“ثم أخده إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل وقال له إن كنت إبن الله فأطرح نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب أنه يوصى ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لكى لا تصدم بحجر رجلك. قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك” (مت 4: 5-7).
• قال القديس يوحنا ذهبى الفم:
(السيد المسيح لم يسخط ولا ثار وإنما برقة زائـدة تنـاقش مـع الشيطان للمرة الثانية من الكتاب المقدس.. معلمـا إيانـا أن نغلـب الشيطان لا بعمل المعجزات وإنما بالإحتمال وطول الأناة، فلا تفعـل شيئاً بقصد المباهاة والمجد الباطل).
• وقال القديس جيروم:
(الأمر المرير هو أن الشيطان يدخل لمحاربة أولاد الله فى المدينـة المقدسة، على جناح الهيكل وفى أعلى الأمـاكن المقدسـة.. هكـذا لا يتوقف عن محاربتنا أينما وجدنا). ويضيف القديس جيروم ويقول: (كانت كلمـات إبليس أطرح نفسك إلى أسفل تدل علـى أن إبليـس يتمنى دائماً السقوط للجميع).
التجربة الثالثة: الطريق السهل:
“ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جداً وأراه جميع ممالك العالم ومجدها، وقال له أعطيك هذه جميعها إن خـررت وسجدت لى. حينئذ
قال له يسوع اذهب ياشيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد” (مت 8:4- 10).
• قال انبا انطونيوس:
فى كلمات السيد المسيح “إذهب عنى يا شيطان”: (إنها منحة يقدمها السيد المسيح لمؤمنيه.. إذ يستطيعون كمن لهم سلطان أن ينطقـوا ذات الكلمات بالمسيح الذى فيهم إذ يقول: “ليخزى الشيطان بواسـطتنا”.. لأن ما يقوله الرب إنما هو لأجلنا، لكى إذ تسمع الشـياطين كلمات كهذه منا تهرب خلال الرب الذى انتهرها بهذه الكلمات).
• وقال القديس جيروم:
(أراه مجد العالم- هذا الذي يقول-على قمة جبل.. أما المخلـص فنزل إلى الأماكن السفلية ليهزم إبليس بالإتضاع). كما يقول: (يـالك من متعجرف متكبر!.. فإن إبليس لايملك العالم كله ليعطى ممالكـه، وإنما كما تعلم أن الله هو الذى يهب الملكوت لكثيرين).
سابعاً: خدمة الملائكة للسيد المسيح:
“ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جات فصارت تخدمه” (مت 4 : 11).
• قال القديس جيروم:
(النصرة تأتى بعد التجرية.. وتأتى الملائكة فتخدم لتثبت كرامة المنتصر).
• وقال القديس يوحنا ذهبى الفم:
(بعد انتصاراتك النابعة من انتصاراته، تستقبلك الملائكـة أيضـاً وتمجدك وتخدمك كحراس لك فى كل شيء).