من تأملات الآباء
فى إنجيل هذا اليوم يقول ربنا يسوع المسيح: “أنا هو الخبز الحى الذى نزل من السماء .إن أكل أحد من هذا الخبز يحيـا إلى الأبد. والخبز الذى أنا أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم” (يو 6: 51).
1-قال القديس كيرلس عمود الدين فى تأملاته هذه الكلمات التى قالها الرب يسوع :
باية وسيلة يمكن للإنسان الذى على الأرض- وقد التحف بالمـائت
– أن يعود إلى عدم الفساد؟
أجيب أن هذا الجسد المائت يجب أن يشترك فى قوة واهب الحيـاة النازلة من الله، أما قوة وهب الحياة التى لله الآب فهى الإبن الوحيـد الكلمة الذى أرسله إلينا مخلصا وفاديا.
كيف أرسله إلينا؟ يخبرنا يوحنا الإنجيلى بكـل وضـوح: ” والكلمة صار جسدا وحل بيننا ” (يو14:1).
عندما نأكل جسد المسيح المقدس ونشرب دمه الكريم ننال الحيـاة فينا إذ نكون كما لو أننا واحد معه.. نسكن فيه وهو أيضا يملك فينا.
لا تشك فإن هذا حق، ما دام يقول بنفسه بوضوح فى نفس الإنجيـل ” الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمـه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير. لأن جسدى مأكل حق ودمى مشرب حق. من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فى وأنا فيه ” (يو 53:6-56).
لذلك يجب أن نتقبل كلمة المخلص بإيمان، اذ هـو الحـق الـذى لا يقدر أن يكذب.
وقال أيضا القديس كيرلس عمود الدين فى موضوع :
الحاجة إلى الإشتراك المنتظم فى سر الإفخارستيا: ( إن اكتسـاب الحياة الروحية من خلال الإفخارسـتيا يتطلـب إشـتراكا منتظمـا فى السر. فالمؤمن يحتفظ بحياته الروحية وينمو فى الروح طالمـا إستمر إرتباطه بالمسيح، ليس روحيا فقط ولكن أيضـا مـن خـلال ممارسة عملية منتظمة للأكل من جسد المسيح والشرب من دمـه. أما الإشترك غير المنتظم فى الإفخارستيا فقد يحـرم المؤمـن مـن الحياة الأبدية ).
إن هؤلاء الذين لا يأخذون المسيح من خلال الإفخارسـتيا يظلـون محرومين بصورة مطلقة من أى اشتراك أو تذوق للحيـاة المقدسـة السعيدة.
وفى كتابه ” شرح تجسد الإبن الوحيد “.. يشير القديس كيرلس الكبـير إلى قول أشعياء النبى: ” وجاء إلى أحد السيرافيم وفى يده جمرة متقدة أخذها من على المذبح بملقط وقال لى هذه ستلمس شفتيك فتنزع إثمك وتطهرك من خطاياك ” (أش 6: 7،6).
ويعلق على ذلك القديس كيرلس فيقول :
( نحن نقول أن الجمرة المتقدة هى مثال وصورة للكلمة المتجسد.. لأنه عندما يلمس شفاهنا، أى عندما نعترف بالإيمان به، فإنه ينقينـا من كل خطية ويحررنا من اللوم القديم الذى ضدنا ).
قال الأب ميلاتو من ساردس:
( يتحقق سر الفصح فى جسد الرب، فقـد أقتيـد كحمـل وذبـح كشاة مخلصا إيانا من عبوديـة العـالم ( مصـر ) ومحررنـا مـن عبودية الشيطان كما من فرعون، خاتماً نفوسنا بروحه وأعضائنـا الجسدية بدمه ).
إنه ذاك الواحد الذى خلصنا من العبودية إلى الحرية، ومن الظلمـة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة ومن الطغيان إلى الملكوت الأبدى. إنه ذاك الذى هو ( الفصح ).. عبور خلاصنا، هو الحمل الصـامت الذى أخذ من القطيع وأقتيد للذبح فى المساء ودفن بالليل.. من أجـل
هذا كان عيد للفطير مرآ كما يقول كتابكم المقـدس: تـأكلوا فطـيراً بأعشاب مرة.
نعم.. مرة لكم هذه !لمسامير!لتى استخدمت.. مر هو لللسان الـذى جدف.. مرة هى الشهادة الباطلة !لتى نطقتم بها ضده.
3- يقول القديس إكليمنضس الإسكندرى فى موضوع الإستعداد للتناول:
(لا يكون باستعدادات خارجيـة فحسـب وإنمـا بتهيئـة النفـس داخلياً خلال ممارسة حياة الحـب والطـهارة الجسـدية والقلبيـة، وأن يكون سلوكنا فـى حياتنـا اليوميـة مطبقـاً لسـلوكنا داخـل الكنيسة).
ثم يقول: يليق بالرجال والنساء أن يذهبوا إلى الكنيسة فـى هـدوء ونظام وسكون، وتكون فيهم محبة صادقة.. يكونون أطهاراً بالجسـد والقلب مؤهلين للصلاة أمام الله.
4- يقول الأباء الرسل فى الدسقوليه:
أما يوم الرب ( يوم الأحد ) فهو للرب وحده. إجتمعوا فيه لتكسـروا الخبز وتصلوا الإفخارستيا بعدما تعترفون بخطاياكم لتكون ذبيحتكـم طاهرة. وليكف عن الإجتماع معكم كل من كان على خلاف مع أخيـه حتى يتصالحاً معاً لكـى لا تتنجس ذبيحتكحم.. لأن هذه الذبيحة هى التـى قال الرب عنها: ” لأن من مشرق الشمس إلى مغربها إسمى عظيم بين
الأمم. وفى كل مكان يقرب لإسمى بخور تقدمة طاهرة لأن إسمى عظيم بين الأمم قال رب الجنود ” (مل 1: 14،11).
ونلاحظ فى هذا النص أربع ملاحظات :
1-إرتباط الإفخارستيا بيوم الرب.
2- إرتباط الإفخارستيا بالإعتراف بالخطية.
3- إرتباط الإفخارستيا بالإجتماع العام للكنيسة.
4- إرتباط الإفخارستيا بالمصالحة.
5- القديس يوحنا ذهبى الفم وسر الإفخارستيا :
(استحق القديس يوحنـا ذهبى الفـم أن يدعـى بحـق “معلـم الإفخارستيا” ليس لأنه أكثر الحديث عن هذا السر العظيـم وشـهد بأمانة وفى وضوح عن تحول القرابين وحضور الرب حقيقيا ككـاهن السر الخفى والذبيحة المحيية فى نفس الوقت، لكنـه أيضـا عرف كيف يسحب قلوب الكثيرين إلى مذبح الله ويدخل بهم إلى المقدسـات الإلهية ويرتفع بهم إلى السماء، ليدركوا سماوية السر الذى تخدمـه الطغمات السمائية فى شركة الأرضيين تحت قيادة الرب نفسه ).
وإليك أجمل ما قاله القديس يوحنا ذهبى الفم عن الإفخارستيا:
+ ” جعلنا أعضاء جسده من لحمه وعظامه ” (أف 5: 20)، ليس خلال الحب وحده وإنما بالفعل ذاته، هذا يتحقق بالطعام المجانى الـذى قدمه لنا، مريدا أن يعلن حبه لنا. من أجل حبه مزج نفسه بنـا،
عجن جسده بجسدنا لكى نصير معه واحدا.. نصير جسدا واحدا متحدا بالرأس.
+إذا كان الخبز يحوى حبوبا كثيرة صارت متحدة معا فلا تظـهر للحبوب بعد، هى موجودة فعلا ولكن لا يظهر إختلافها بسـبب إتحادها معا، هكذا أيضا إرتباطنا مع بعضنا البعـض.. لأنـه جسدا واحدا يغتذى به الكل، إنه شركة فى جسد الرب، شـركة مع المسيح نفسه.
+ وقال أيضا: فى خدمة الليتورجية يشترك معنا الملائكـة.. إن الملائكة يتضرعون إلى الرب من أجل جنس البشـر وكأنـهم يرددون قائلين: ” نصلى إليك من أجل الذين حسبتهم أهلا لحبـك فوهبتهم حياتك.. نسكب إليك تضرعاتنا عنهم كما سكبت دمـك من أجلهم.. نطلب إليك من أجل هؤلاء الذين بذلت جسدك هذا من أجلهم “.
+ ويقول أيضا: إن كانت طقوسنا تتم على الأرض لكنها متأهبـة للسموات إذ يكون ربنا يسوع المسيح نفسه الذبيـح مضطجعـا، والروح مرافقا لنا، والجلس عن يميـن الآب حـاضرا هنـا.. ماذا؟! أليست تسابيحنا سماوية؟! أليس المذبـح سـمائيا؟! إذ لا يحمل أمورا جسدانية بل تقدمة روحية “فالذبيحة لا تتحـول إلى تراب ورماد بل هى بهية وسامية. الكنيسة سماوية بل هـى السماء نفسها.
+ ويقول أيضاً: حتى الأن المسيح الملاصق لنا الذى أعد المـائدة هو بنفسه يقدسها، فإنه ليس إنسان يحول القرابين إلـى جسـد المسيح ودمه بل المسيح نفسه الذى صلب عنا.. ينطق الكلمات لكن التقديس يتم بقوة الله ونعمته.
6- قال القديس كيرلس الاورشليمى :
( لكونه هو نفسه تكلم وقال عن الخبز هذا جسدى، فمن يجسر بعد ذلك أن يرتاب.. ولكونه هو نفسه ثبت وقال هذا هو دمى، فمن يتوهـم أو يقول أنه ليس دمه؟.. لأن الذى حول وقتا ما الماء إلى خمر فـى قانا الجليل بإشارته أفليس مصدقا إذا قال أن هذا هو دمى؟! ).
وقد دعى إلى عرس جسدى فصنع فيه تلك العجيبة الفائقة، فكيـف لا نعترف له بالأحرى بأنه منح بنى العرس التمتع بجسـده ودمـه؟.. فلنتناولهما إذن باليقين التام أنهما جسد المسيح ودمه.
لأنه برسم الخبز يعطى لك الجسد وبرسم الخمر يعطى لـك الـدم، لكـى بتناولك من جسد المسيح ودمه تصير متحداً معه جسـداً ودمـاً. لأننا بهذه الحالة نصير لابسى المسيح، أى بإمتزاج جسده ودمه فـى أعضائنا. وبهذه الواسطة نصير مشاركـى الطبيعة الإلهية، كمـا قال القديس بطرس: ” كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذى دعانا بالمجد والفضيلة. اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكى تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهيـة هاربين من الفساد الذى فى العالم بالشهوة ” (2 بط 1: 3، 4).
7- وقال القديس يوستينوس الشهيد:
لأننا لا نتناولهما بمثابة خبز عادى لكن كما أنه بكلمة الله لما تجسـد يسوع المسيح مخلصنا قد أتخذ لأجل خلاصنا لحما ودما، هكذا تعلمنـا أن الغذاء الذى شكر عليه بدعاء كلامه- وبه يغتذى لحمنـا ودمنـا بحسب الإستحالة- هو لحم ودم ذلك المتجسد.
8- قال القديس مارافرآم السريانى:
إن جسد الرب يتحد بجسدنا على وجه لا يلفظ بـه أيضـاً ودمـه الطاهر يصب فى شراييننا، وهو كله بصلاحه الأقصى يدخل فينا.
وقال أيضاً: إنكم تشتركون فى جسد الرب الكلى القدسـية بإيمـان كامل غير مرتابين أنكم تأكلون الحمل كله.
9-وقال القديس أغناطيوس:
إن جسد الرب يسوع واحد، هو ودمه المهرق عنا واحـد.. خـبز واحد كسر، وكأس واحدة وزعت للجميع، ومذبح واحد لكل الكنيسة.
10-وقال القديس كبريانوس:
إننا نحثهم ونحرضهم على الجهاد ولا نتركهم بغير سلاح، بل نحصنهم بالسلاح الكامل وهو جسد ودم المسيح.. لأننا كيف نعلم من ندعوهم إلى الإعتراف بإسمه أن يهرقوا دمهم إذا كنا لا نمنح دم المسيح للمجاهدين عنه.
11-قال القديس جيروم حينما أتوا إليه بالسرائر المقدسه وقت نياحته:
ما هذا الإتضاع يا سيدى الذى تريد أن تـأتى بـه إلـى خـاطئ، وترضى لا أن تؤاكله فقط بل أن تؤكل منه أيضاً.
صلوات خاصة قبل وبعد التناول من الأسرار المقدسة:
صلاة قبل التناول من الأسرار المقدسة:
ياربى إنى غير مسـتحق أن تدخـل تحـت سـقف بيتى لأنى إنسان خاطئ، فقل كلمة أولا لكى لتبرأ نفسى.. قل لنفسـى مغفـورة لك خطاياك.
إنى مقفر وخال من كل صلاح، وليس لى سوى تحننـك ورأفتـك ومحبتك للبشر.
لقد تنازلت من سماء، مجدك غير المدرك إلى ذلنـا وأرتضيـت أن تولد فى مزود البقر، فلا ترفض يا مخلصى القدوس أن تقبـل إليـك نفسى الذليلة الحقيرة التى تنتظر حضورك البهى.
إنك لم تستنكف من دخول بيت الأبرص لتشفيه، فاسمح يـا إلهى بالدخول إلى نفسى لتطهرها. لم تمنع الخاطئة من تقبيل قدميك، فلا تحرمنى الدنو منـك لتنـاول جسدك الطاهر ودمك الأقدس، بل فليصر تناولى للإشـتراك معـك، وإبادة كل ما هو دنس ولإماتة أهوائى الرديئـة، وللعمـل بوصايـاك المحيية، ولشفاء نفسى وجسدى من كـل خطيـة. ولقبـول مواهبـك ولسكنى نعمتك ولحلول روحك وللإتحاد بك والثباث فيك لأحيا لأجـل إسمك القدوس. أمين.
صلاة بعد التناول من الأسرار المقدسة:
قد إمتلأ قلبى فرحا ولسانى تهليلا.. فلتعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى.
لقد أقبلت إليك يارب لتلبسنى حلة نقية تؤهلنى للدخول إلى عرسـك. فليكن إتحادى بك اليوم دائماً لأنى به أزداد فى الفضيلة ثباتـا ونمـوا ويشتد إيمانى ويتقوى رجائى.
فليصر تناولى الآن علامة للخلاص ولباسا للنعمة، وحلـة للميلاد الجديد، وطهارة وقداسة للنفس والجسد ونقاوة للحب، وفرحاً وسـروراً أبدياً وجواب حسن القبول أمام منبرك الرهيب.
أسلم ذاتى بين يدى حنوك، فاجعلنى واحدا معك وسـيرنى تحـت إرادتك. استدع إليك عقلى وحواسى وإرادتى لتباركـها وتكون طـوع مشيئتك.
أحيى قلبى وأيقظ ضميرى. شتت جميع خيـالات العـدو، وقـل للزوابع أن تسكت.
سر معى وهدئ روعى، أرو عطشى، وأضرم لهيب محبتـك فـى قلبى، تلاف بحنو ورفق كل ما ينقصنى. أمكث معى لأن النـهار قـد مال ورافقنى إلى أن ينسم النهار، فأنت وحدك غايتى وسعادتى. أنـت وحدك يارب إلى الأبد. أمين.