من تأملات الآباء
فى مقابلته للمرأة السامرية:
“أجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذى يقول لك أعطينى لأشرب لطلبـت أنت منه فأعطاك ماء حيـا” (يو 10:4).
وعن الماء الحى مكتوب أيضـا: ” وفى اليوم الأخير وقف يسوع ينادي قائلاً إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب. من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى. قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنون مزمعين أن يقبلوه. لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد ” (يو 37:7-39).
سوف ندرس ما قاله الآباء عن الروح القدس.
مقدمة:
الروح القدس هو الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس،فنحن نؤمن بالله الواحد المثلث الأقانيم: الله الآب. الله الإبن. الله الروح القدس
1- أقوال القديس اثناسيوس الرسولى عن الروح القدس:
عن لاهوت الروح القدس:
+ “ا لروح القدس واحد مع الإبن فى الجوهر والإبن واحد مـع الآب فى الجوهر.. إذن الروح القدس واحد مع الآب فى الجوهر “.
+ إننا نؤمن بالثالوث القدوس: الله الآب، الله الإبـن، الله الـروح القدس. وهو اله واحد متماثل غير قـابل للتجزئـة بطبيعتـه، ونشاطه واحد.
+ الآب يعمل كل شئ بالإبن فى الروح القدس.
وهكذا ينادى بإله واحد فـى الكنيسة.. الذى على الكل ( كلى الأصل )، وبالكل ( كلى السبب )، وفى الكل ( كلى التنفيذ ).
الكل المطلق، أى الله فى ذاته الكلية المطلقة:
1- كآب : بداية، ينبوع. 2- بالكل : بالإبن.
3- فى الكل : فى الروح القدس.
عن وحدة عمل الثالوث وعدم إمكان تجزئته.. قال فى بشارة رئيس الملائكة جبرائيل للعذراء: ” عندما افتقد الكلمة العذراء القديسة مريم،
جاء إليها الكلمة ومعه الروح القدس، وصاغ الكلمة جسده وشـكله لذاته.. لذا أراد أن يوحد فيه كل البشرية إتحادا بالله ويحضرها إليـه بواسطة نفسه ” (من رسالة إلى القديس سرابيون 1: 31).
وفى موضوع قدرة الروح القدس لإعطاء الحياة.. قال: ” إنه يدعـى الروح المحيى، وروح الحياة فى المسيح يسـوع، لأن منـه تنـال المخلوقات الحياة.. علما بأن الإبن هو نفسه الحيـاة ويدعـى فـى الإنجيل رئيس الحياة، فكيف يحسب الروح القدس ضمن المخلوقـات وهو الذى فيه تنال المخلوقات الحياة بواسطة الكلمة “.
• أقوال القديس باسيليوس الكبير عن الروح القدس: الإعتقاد السليم هو أن الروح القدس لا يمكن فصله عـن الآب والإبـن فهو حاضر معهما فى:
أولا: الخليقة العاقلة:
فالقوات السمائية وجدت بـإرادة الآب، ونـالت كيانـها بـالإبن، أما تقديسها واستمرارها فى التقديس فهو بواسـطة حضـور الـروح القدس فيها.
ثانياً: تدبير مجىء ربنا فى الجسد:
فلقد صارت البشارة بالروح وصار الحمل بـالروح (لـو 1: 25)، وصارت المسحة بالروح (يو1 :33)، وكـان معه فى التجربة (مـت 4: 1)، وبه تمم كل أعماله (مت 28:12)، وبه قام من الأموات (رو 8: 11).
ثالثا: وفى الدينونة:
فالذين ختموا بالروح القدس ليوم الفـداء وحفظـوا حياتـهم نقيـة بلا عيب هم الذين سيسمعون الصوت القائل: ” نعماً أيها العبد الصالح والأمين ” (مت 25: 21).
وأما الذين أحزنو الروح فسوف يشطرون، أى سوف ينفصل عنهم تماما الروح القدس (مت 24: 51).
وعن ألقاب الروح القدس:
هو يسمى الروح لأن الله روح، ويدعى أيضـا قـدوس لأن الآب قدوس والإبن قدوس، ويدعى أيضا الصالح لأن الآب صالح وما ينبثق من الآب صالح، ويدعى المستقيم لأن الله صـالح ومسـتقيم.. وروح الحق وروح البر وروح الحكمة، ويدعى أيضا الباراقليط.
وعن أعماله:
أن أعماله عظيمة وفائقة ولا يمكن أن نحصيها، إذ كيف نسـتطيع أن ندرك ما كان يعمله الروح قبل أن تنشأ الخليقة العاقلة، ومـا هـى النعم العظيمة التى أعطاها ويعطيها للخليقة، وما هـى قدرتـه التـى سوف يظهرها فى الحياة الآتية.
3 – أقوال القديس كيرلس الإسكندرى عن الروح القدس:
أ- فى تفسيره لإنجيل يوحنا قال فى الآيـة ” أنا فى الآب والآب فى ” (يو 14: 11). ( كما أن الإبن صدر من الآب بطريقة تعلو علـى
الفهم ومع ذلك فالإبن باق فيه، هكذا أيضـا الروح القـدس فهو ينبثق بالحقيقة من الله كما هو بالطبيعة ومع ذلـك فـهو لا ينفصل عن جوهره بل بالحرى ينبثق منه ويظل باقياً أبديـاً فيه، ويعطى للقديسين بالمسيح، لأن كل الأشياء تأتى بـالإبن بواسطة الروح القدس).
ب- وفى تفسيره قول السيد المسيح: ” وأما متى جاء المعزى الروح القدس الذى يرسله الآب بإسمى فهو يعلمكم كل شـئ” (يو 26:14).. قال : ” الإعلان الكامل للسر الإلهى هو بالروح القدس المرسل من الآب باسم الإبن. لأنه كما أن روحه هو المسيح فينا لذلك يقول يعلمكم كل شئ كما قلته لكم.. فحيث أنه روح المسيح وفكره كما هو مكتوب ” (1كو 16:2)، لذلك فهو ليس شـيئا آخر سواه هو نفسه من جـهة وحدة الطبيعة، وهو يعرف كـل ما هو فيه لأن ” أمور الله لايعرفها أحد إلا روح الله ” (1كو 2: 11).
فالروح لأنه يعرف ما هى مشورة الإبن الوحيد يخبرنا بكل شـئ.. وهو لا يأخذ هذه المعرفة بالتعليم، لكى لا يبدو أنه يشغل رتبة الخـادم الذى ينقل كلمات آخر، بل هو روحـه. وإذ يعـرف- دون تعلـم- كل ما يخص ذلك الذى هو منه، وهو كائن فيه، فإنه يعلـن الأسـرار الإلهية للقديسين.
ج- وعن موضوع الكرمة والأغصان يقول القديـس كـيرلس: إن الروح القدس يجعلنا نثبت فى الكرمة- أى المسـيح- فـهى
( الكرمة ) كالأم المغذية لأغصانها، لأننا نولد منه وفيه بـالروح لنثمر ثمار الحياة. فكلمة الله الوحيد الجنس يمنح القديسين ميـلاً إلى طبيعته الخاصة وطبيعة الله الآب بإعطائهم الروح، وذلـك بإتحادهم به بالإيمان والقداسة الكاملة، وهو يغذيـهم بـالتقوى ويعمل فيهم لمعرفة كل فضيلة وكل الأعمال الصالحة. فـالآب يغذينا فى التقوى بالإبن فـى الروح.
د- ويفرق القديس كيرلس بين إرسال الروح وانبثاقه، فيقـول: إن الإرسالية فعل زمنى بينما الإنبثاق فعل أزلى. فـالله الآب هـو مصدر إنبثاق الروح وأما إرسالية الروح القدس فهى مـن الله الإبن، كما قال القديس يوحنا فى إنجيله ” ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى. وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معى من الإبتداء ” (يو15 :27،26).
هـ – وقال أيضا:
+ نعرف ثلاثة أقانيم ونؤمن بها ، الآب الـذى لا إبتـداء لـه، والإبن الوحيد، والروح القدس المنبثق من الآب وحده.
+ إن الروح القدس هو منبثق من الآب حسب قول المخلـص، لكنه ليس بغريب عن الإبن من حيث وحدة الجوهر.
+ نؤمن بالروح القدس كما نؤمن بالآب والإبن، لأنـه مسـاو لهما فى الجوهر وهو مندفق أى منبثق من ينبوع الله الآب.
+ كما أن الإبن من الآب من جـهة الولادة، هكذا الـروح مـن الآب من جـهة الإنبثاق، وحاشا من القول بخلاف ذلك.
4-العلامة ديديموس مثله فى ذلك مثل كل آباء الكنيسه الجامعه، يكرز ويعلم عن الثالوث وعن وحدة جوهرالأقانيم الثلاثة.. قال : (كل من يتصل بالروح القـدس ففـى نفـس اللحظة هو يتقابل مع الآب والإبن، وكل من يشترك فى مجـد الآب فإن هذا المجد هو فى الواقع ممنـوح لـه مـن الإبـن والروح القدس) (عن الروح القدس 17).
وعن إنبثاق الروح قال: ” الروح القدس ينبثق من للآب ويستقر إلهيا فـى الإبن” (فى الروح القدس 3:1) .
ويقول أيضاً: فى جوهر الروح يمكن فهم كمال العطايـا، فمـن المستحيل لأى واحد أن يطلب نعمة الله إن لـم يكـن عنـده الـروح القدس الذى فيه يتضح أن كل العطايا متضمنة منـه. لذلـك واضـح أن الروح القدس هو نبع كل العطايا وليست عطية تُمنح بدونـه، لأن كل الفوائد التى ننالها من وراء غنى مواهب الله إنما هى مـن هـذا الينبوع الرئيسى.
وعن عمل الروح القدس فى الإنسان، قال:
+ هو المقدس والمحيى، نور السماء المنتشـر، الحـافظ الكـل، الساهر على ثبات قوامه، المجدد والمحرر.. كمثل الرب وإبـن الله الذى صنعنا، فهو روح التبنى.
+ يطير بنا إلى أبواب السماء، ويقتادنا فـى مداخـل الخلاص، هو النعمة المالئة كل الأشياء الخاويـة والضعيفـة والعـابرة، ينبوع المواهب الذى لا يفرغ ومنطلق كل فكر صالح، يكشـف حقا المزمعات، ختم الخلاص والموهبـة الإلهيـة، عربـون الخيرات الأبدية.
+ منه كل خليقة، ما يرى وما لايرى، عاقلة وغـير عاقلـة هـو يقيمها، الذى منه يصير لنا التجديد الإلهى ومغفرة الأثام وسـتر الخطايا والنزوع نحو الله
+ إكليل الأبرار وحافظ الأخيـار. المسـكن السـماوى، الحيـاة التى لا تنتهى وميراث ملكوت الله الأبـدى الـذى كـل مـن يشترك فيه، بتجديد الشركة، يبلغ التذكارات الصالحة وشـركة الطبيعة الإلهية.
5-تعاليم القديس كيرلس الأورشليمى عن الروح القدس:
الإبن والروح القدس وحدهما يقدران أن يريا الآب كما ينبغـى أن يرى، إذ هما يشتركان فى لاهوت الآب.
ويتكلم القديس كيرلس الأورشليمى عن الروح القدس وينظر إليـه بنفس الطريقة التى ينظر بها إلى الآب والإبن من حيـث أن هـؤلاء الثلاثة يشتركون فى نفس مجد اللاهوت الواحد.
+ الروح القدس (شريك الأزلية) مع الآب والإبن وعمله من أجـل خلاصنا مشترك مع الاقنومين الآخرين. الإبن يعلم الآب مـع الروح ومن خلال الروح.
+ والروح القدس هو روح الوحى والإسـتنارة، إنـه المقـدس، الفريد، والصالح، والمغيث، معلم الكنيسة، روح النعمـة الـذى يضع علامته على النفس بما يفيد أنها ملكه وهو الذى يعطـى التقديس للكل.
+ الروح واحد وهو لا ينقسم بتعدد مواهبه. إنـه ليـس كـأن الآب يهب موهبة والإبن يهب موهبة أخرى والروح موهبـة ثالثة، لكن الخلاص والقوة والإيمان هى مشتركة للكل وكرامة الأقانيم واحدة وغير منقسمة.
+ نحن نعلن إلهاً واحداً مع الروح القـدس مـن خـلال الإبـن، بلا اختلاط ولا انقسام. الآب يعطـى للإبـن والإبـن يعطـى للروح القدس.
+ ومن أجل خلاصنا يكفى أن نعرف أنـه يوجـد الآب والإبـن والروح القدس، ولم يكتب شئ آخر عن أى شئ آخر، وليـس لائقاً بنا أن نفحص ما هو وراء ما نجده فى الكتاب المقدس عن الجوهر والأقانيم.